في عام 1887 اخترع الطبيب البولندي لودفيغ زامنهوف لغته المصطنعة (الإسبرانتو) اللغة الأسهل في العالم, وأهم لغة اصطناعية أو مخططة في العالم, وهي لغة بسيطة سهلة ومحايدة, أرادها زامنهوف أن تكون لغة مشتركة لشعوب العالم كافة ولغة اتصال دولية.

الإسبرانتو لغة ذات صلة بأغلب وأشهر لغات العالم, فهي خليط من لغات أوروبية عديدة وشيء من لغات شرقية, وكانت في الواقع واحدة من محاولات عديدة مماثلة جرت في القرن التاسع عشر لتأليف لغة دولية اصطناعية تكون في متناول جميع الناس بمختلف ثقافاتهم وأعراقهم.

وقد وجدت لغة الإسبرانتو إقبالا كبيرا بين شعوب الدول الأوروبية, والاشتراكية منها على وجه الخصوص, وذلك كمخرج من تنافس اللغات المحلية فيما بينها, والأهم هو الهروب من محاولة بعض الدول الكبرى فرض سيطرة لغتها (كلغة دولية) تبعا لنفوذها السياسي والاقتصادي على حد سواء.

فقد حولت وسائل التواصل الحديثة الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة يلتقي فيها الشرق والغرب وتندمج فيه الشعوب والحضارات, وهذا ما خلق الحاجة للغة مشتركة تسمح لسكان العالم بالتواصل مع بعضهم البعض بكفاءة وفعالية بغض النظر عن الخلفية الإثنية والثقافية.

وهناك الكثير من الخبراء اللغويين من يعتقد بأن هذه اللغة يمكنها ببساطة أن تحتل مكانة اللغة الإنجليزية وتتويج نفسها لغة العصر الحديث, لو حظيت بالدعم الدولي من الحكومات والمنظمات وتم الاعتراف بها من الأمم المتحدة, وفي هذا الشأن يقول اللبناني أنطوان غانم ممثل الإسبرانتو في الشرق الأوسط واصفاً العلاقة بين اللغة الإنجليزية والإسبرانتو: “حاليا ما زال الخلاف بسيطاً بما أن الأمم المتحدة لم تعترف بعد بالإسبرانتو, ولكن عند تحقيق ذلك سنواجه حتما معارضة أميركية شديدة لأنه عندما تصبح الإسبرانتو لغة رسمية تدرس في كل مدارس العالم ومنتشرة في شكل أفضل, سيزيد خوف الأميركيين على لغتهم ومصالحهم”.

ويقول واصفاً الإسبرانتو: “بما أن الإسبرانتو لغة عالمية وغير مرتبطة بشعب معين, فهي تسمح لمن يتحدث بها أن يتعرف على عالم بلا حدود حيث يشعر وهو في بلده أنه في كل البلدان, فمن خلالها يكتشف المرء كل الحضارات وكل الثقافات”.

ويعتقد أنصار هذه اللغة أنها ستحررهم من التبعية لأي لغة أخرى وخصوصا اللغة الإنجليزية التي تعتبر من وجهة نظرهم رمز القوة والسيطرة, وبذلك فهي ستخفف من شعورهم بالدونية وتسهل عملية التبادل الثقافي والاقتصادي والسياسي بغية تقريب البشر أكثر فأكثر في ظل أجواء مفعمة بالأخوة والتسامح والسلام.

الإسبرانتو أسهل بكثير من اللغة الإنجليزية فهي ترتكز على ست عشرة قاعدة فقط من دون أي استثناءات, يقول أنطوان غانم: “تحتاج لغة الإسبرانتو لتعلمها إلى تسعين ساعة, أي بمعدل ثلاث ساعات يومياً ولمدة شهر. لا أتصور أن هناك أسهل من لغة كهذه” وفي المقابل يقول أحد الخبراء اللغويين الأوروبيين: “إتقان اللغة الإنجليزية, بل أي لغة وطنية لا يتطلب عدة سنوات فقط بل حياة كاملة”.

وقد تصاعدت العديد من النداءات لاعتماد الاسبرانتو كلغة رسمية من الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا لأنه كما يرى العديد من متحدثي الإسبرانتو أن فرض اللغة الإنجليزية يعتبر نوعاً من أنواع الهيمنة على العالم من بريطانيا قديما والولايات المتحدة في عصرنا الحالي.

ويصدر بالإسبرانتو في الوقت الحالي مئات من المجلات والنشرات الخاصة في مختلف مجالات الثقافة والعلوم السياسية والاقتصاد والقانون والطب وحتى القضاء, وتذيع 23 دولة بالإسبرانتو من بينها الصين وبولونيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا ويوغسلافيا وغيرها, وصدر لها العديد من القواميس كما صدرت بالإسبرانتو أفلام وأغان كثيرة, وهي منتشرة في كل أنحاء العالم وخصوصا أوروبا, كما أنها اعتمدت لغة رسمية لعدد من دول العالم الثالث في أفريقيا, وتم الاعتراف بها من قبل اليونيسكو ولكن تظل العقبة الأكبر أمام الإسبرانتو هو اعتراف الأمم المتحدة.

فالإسبرانتو الأن تعد أشهر وأكثر لغة اصطناعية مستخدمة حول العالم, فهناك موسوعة ويكيبيديا كاملة بلغة الإسبرانتو, وقام جوجل بإضافتها في شريط اللغات المستخدمة في الترجمة, وقد ترجم القرآن الكريم إلى لغة الإسبرانتو وحاز على رقم قياسي في التوزيع بين الإسبرانتويين.

ولا يوجد رقم محدد لعدد المتحدثين بلغة الإسبرانتو حول العالم, وكان تقدير التايمس اللندنية لهم ثمانية ملايين سنة 1951, ويعتقد أنصار هذه اللغة الاصطناعية بأن لغتهم لو حظيت بالدعم اللوجستي أو صدر قرار سياسي من الحكومات بأن يكون هناك اتفاق على تدريسها بجانب اللغة الأم, فإنها ستحظى بقبول بين شعوب العالم لأنها تمثل المساحة المشتركة بين شعوب العالم.