كل عام أنتظر ،بنصف ابتسامة وتوقّع، الاجابات التي سأحصل عليها من طالبات الجامعة حين أسألهنّ عن طموحاتهنّ وأهدافهنّ كجزء من احدى مواضيع كتاب اللغة الانجليزية. وفي كل عام يصيب توقعي و تنفرج ابتسامتي. تتحدث الغالبية العظمى منهنّ عن أحلام الهجرة من البلد والحرية التي تنتظر على الطرف الآخر من العالم. أتذكر في احدى المرات تحدثت احداهنّ بحماسة عن الفرص والامكانيات التي ستحصل عليها في أمريكا وكانت تجلس بجانبي أستاذة أمريكية تعمل في السعودية منذ سنوات. التفتت عليّ الأمريكية بنظرة استغراب وقالت حرفياً ( هذه الفتاة تعرّضت لغسيل دماغ) .

السؤال الأهم هي نوعية (الحرية) التي تبحث عنها تلك الفتيات. الحصول على صديق؟ رمي العباءة؟ شرب الخمر وأكل الخنزير؟ اذا كانت الاجابة بلا فماهي الحرية التي تسكن هناك ولاتوجد هنا؟ اذا كانت هذه الأمور سطحية وضحلة فماهو الهدف الأسمى الذي سيتحقق هناك بشكلٍ سحري؟

ان الأرض في أمريكا وغيرها ليست خضراء سهلة كما تتصور عقول اليافعات هنا. التحديات التي تعاني منها المرأة هنا كالرضوخ للولي وان كان مخطئاً و عدم القدرة على القيادة و الاهتمام المبالغ فيه بحديث الآخرين ورأيهم، يقابلها على الطرف الآخر تحديات من نوعٍ آخر في بلاد الغرب.

يجب أن تفهم الفتاة أن الحرب التي عليها خوضها هنا للوصول الى أهدافها وتحقيق ذاتها توازيها حرب لاتقل شراسة في أرض الحرية المزعومة. القصص التي يحكيها المغتربون عن التحرر من تسلّط الآخرين ونظرتهم تشبه أي قصة يحكيها غربي يعيش هنا. البعد عن الناس و اختيار الحياة التي تريد بعيداً عن الأقارب واصدقاء الطفولة هو مفتاح السلام.

كثير من الأستاذات العاملات في جامعة طيبة جئن من بلاد مختلفة واخترن حياة متفردّة لاتشبه شكل الحياة النموذجية في بيئتهنّ الأم.

تخبرني أستاذة باكستانية على وشك انتهاء مدة عقدها أنها قلقة من العودة الى التقاليد الباكستانية في العيش مع أهل الزوج وضرورة الطبخ و التدخّل في تربية الأطفال التي لم تتخلص منها عائلتها وعائلة زوجها برغم سكنهم في بريطانيا! لقد حصلت هذه الأستاذة على الحرية التي لطالما حلمت بها هنا ، في السعودية!

يجب أن تعي الفتاة أن الطريق الشاقّة للحلم لن تختفي بمجرّد الهروب منها، وأن خيار اثبات ذاتها هو خيارها الشخصي الذي ان نجحت فيه سوف يحوّل صحراء ديارها الى روضة خضراء وأنها لن تحيا هذا العمر مرغمة، بائسة بإنتظار الجنّة والرب.