يرى كثير من الدارسين للغة العبرية أن أليعازر بن يهوذا أب العبرية الحديثة بحق, حيث يعرف بأنه محيي اللغة العبرية والمبشر بقيام نهضة يهودية مقرها فلسطين, وأساسها سيكون تبني اللغة العبرية في جميع مجالات الحياة اليهودية لأن الشعب لا يمكن أن ينهض دون لغة مشتركة لأبنائه.

لقد آمن “بن يهوذا” بألا وطن بلا لغة ولا لغة بدون وطن, لذا كان اهتمامه الكبير بإحياء اللغة العبرية لأنها تمثل إحدى قيم الماضي التي يجب المحافظة عليها, مع أن العبرية كانت تعد “لغة مقدسة” لا يجوز استخدامها إلا في الأغراض الدينية, فظلت بالتالي لغة العبادة فقط, كما ظلت لغة الحاخامات اليهود والزعماء الدينيين.

وقد كانت قوة العبرية تكمن في أنها لغة التراث الفصيحة والثقافة القديمة والتقاليد الراسخة والمقدسة, وهي رمز لأبدية شعب إسرائيل وقيمه, فهي اللغة التاريخية التي كتب بها التراث الديني والروحي للجماعات اليهودية عبر الأجيال, وكانت تسمى عندهم باللغة المقدسة.

وقد أطلق بن يهوذا مبادرته لإحياء موات اللغة العبرية, التي تعرضت في ماضيها إلى حالة من العزلة والمحدودية والانكفاء, وأخذ على عاتقه هو ومن معه, مراجعة مفردات اللغة العبرية الموجودة بين أيديهم والإضافة إليها, عن طريق الاقتباس والأخذ والاستعارة من لغات شتى, مما ليس موجود فيها أصلا, وأضفوا عليها الصبغة العبرية, وكان ذلك بهدف التغلب على قصور اللغة القديمة وفقرها من جوانب النحو والصرف والاشتقاق وعجزها عن التعبير عن مقتضيات العصر المتجدد وحاجات الإنسان اليومية.

كرس “بن يهوذا” جهده ووقته للدعوة لإحياء العبرية, فكان نشاطه اللغوي واسعا ومتشعبا, فقد ألف قاموسا ضخما للغة العبرية بعنوان “قاموس اللغة العبرية الحديثة والقديمة” وقام بتأسيس المجمع اللغوي للغة العبرية عام 1890 وذلك بغرض تحقيق هدفين أساسيين وهما: وضع مصطلحات في المجالات العلمية والحياة العملية وإثراء مقررات التربية والتكوين بمدارس اليهود, والهدف الثاني هو ضبط طريقة النطق الصحيحة والكتابة والمشكلات النحوية.

وأصدر هذا المجمع منذ تأسيسه وحتى عام 1953 عدة قواميس متخصصة في مجالات التكنولوجيا والصناعة والإدارة, ومنها قواميس للميكانيكا والطباعة والكهرباء والزراعة والرياضيات والرياضة وغيرها, كما نشر عشرات المصطلحات في الطب وعلم النفس والكيمياء والأدب والفن, بهدف تعميم اللغة العبرية بالمدارس واستعمالها في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والأدبية والعلمية. وهي مستمدة من كل مصادر اللغة العبرية بداية من العهد القديم ونهاية بأدب الهسكالاة.

وأعد المجمع كراسات خاصة لبعض القضايا المهمة, مثل: قواعد الكتابة غير المعجمة, وعلامات الترقيم وقواعد الفتحة الطويلة والكسرة الطويلة وغيرها. كما طرح آنذاك أحدث التقارير عن المولدات المصطلحية وفهرسة لأخر المنشورات الأكاديمية وتصب كل هذه الأنشطة في سبيل الهدف الأسمى وهو بناء المعجم التاريخي للغة العبرية.

لم تعد العبرية لغة الدين والشعائر والطقوس فحسب, بل أصبحت أداة لخلق الوحدة داخل المجتمع الإسرائيلي, ووسيلة لتحقيق الانتماء والولاء للأرض, ويتم ذلك من خلال الضغط على المهاجرين بأن يتعلموا العبرية كلغة رئيسية, فتشجع بذلك الانتقال اللغوي من لغتهم الأصلية إلى العبرية.

اللغة المشتركة من أهم المقومات وأبعدها أثرا في نشأة القوميات في العصر الحديث, وقد أدركت الصهيونية أن اليهود لا يستطيعون أن يكونوا شعبا حيا إلا بعودتهم إلى “لغة الآباء” واستخدامها في الكتابة والتخاطب بين الكبار والصغار, فالحركة الصهيونية إذن جعلت من أهدافها الوصول إلى تحقيق هدفين أساسيين هما: إنشاء الوطن اليهودي, وإحياء اللغة العبرية بعد موتها الطويل وجعلها لغة قومية لليهود.