أوضحت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء، صحة حديث ” من عشق فعف وكتم مات شهيدًا “، وهل يقصد بالعشق الحلال الزوجة أو يقصد به خلاف ذلك ؟
أجابت اللجنة على التساؤل وقالت، هذا الحديث روي من عدة طرق بألفاظ مختلفة لكن لا يصح شيء منها، فروي من طريق سويد بن سعيد عن علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن طريق سويد عن علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر على سويد رواية هذا الحديث جماعة من أئمة الحديث منهم أبو أحمد بن عدي والبيهقي والحاكم وابن طاهر ويحيى بن معين وقال: هو ساقط كذاب، وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في [الموضوعات]، وقال الإِمام أحمد في سويد بن سعيد : إنه متروك الحديث، وقال النسائي : ليس بثقة، وقال البخاري: كان قد عمي فتلقن ما ليس من حديثه، وقال ابن حبان : يأتي بالمعضلات عن الثقات يجب اجتناب ما روى، وقال أبو حاتم الرازي : صدوق كثير التدليس، واعتذر مسلم عن إخراجه حديثه في صحيحه بأنه لم يأخذ عنه إلاَّ ما كان عاليًا وتوبع عليه، ولأجل هذا أعرض عن رواية هذا الحديث في صحيحه.
وقد روى هذا الحديث الحاكم من طريق محمد بن داود بن علي الطاهري عن أبيه عن سويد وتعجب منه، وأخرجه ابن الجوزي من طريق محمد بن المرزبان عن أبي بكر الأزرق عن سويد، وما تقدم من الطعن في سويد كاف في رد هذا الحديث من طريقه، وقد روي هذا الحديث من غير طريق سويد فرواه ابن الجوزي في [العلل] من طريق ابن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس، وضعف أحمد بن حنبل يعقوب .
ورواه الخطيب من طريق الزبير بن بكار عن عبد الملك بن الماجشون عن عبد العزيز بن أبي حازم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس ، وعبد الملك : هو ابن عبد العزيز الماجشون كان فقيهًا لكنه ضعيف في الحديث، قال أبو داود : كان لا يعقل الحديث، وقال الساجي : ضعيف الحديث صاحب رأي، وقال مصعب الزبيري : كان يفتي وكان ضعيفًا في الحديث، قال ابن حجر في [التلخيص الحبير]: وهذه الطريق غلط فيها بعض الرواة فأدخل إسنادًا في إسناد، وقد قوى بعضهم هذا الخبر، حتى يقال: إن أبا الوليد الباجي نظم في ذلك:
إذا مـــات المحـــب جـــوى وعشــقا فتلـــك شــــهادة يــــا صـــاح حقـــا
رواه لنـــــا ثقـــــات عـــــن ثقـــــات إلــــى الحـــبر ابـــن عبـــاس ترقـــا
وتابعت اللجنة، لكن ما تقدم من الجرح المبين في سويد بقبوله التلقين بعد أن عمي وبتدليسه، ورواية المناكير كاف في الحكم بعدم صحة هذا الحديث على كل الطرق التي تدور عليه، كما تقدم أنه غير صحيح من طريق يعقوب بن عيسى وطريق الزبير بن بكار لضعف يعقوب وعبد الملك بن الماجشون، يضاف إلى هذا ما ذكره ابن قيم الجوزية وابن معين والحاكم وغيرهم من نكارة متنه، حتى قال أبو عبد الله ابن القيم : إن نكارة متنه كافية في رده.
مما تقدم في الجواب عن الفقرة الأولى من السؤال يتبين أن الحديث غير صحيح لضعف أسانيده ونكارة متنه، وأما كتابة من يتولى تقويم أم القرى لهذا الحديث في أوراق التقويم فربما كان لعدم معرفته لضعف هذا الحديث، ولعلهم إذا تبين لهم ضعفه وكذبه تركوه؛ حمايةً لأنفسهم من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن التغرير بالناس، وسدًّا لذريعة الشر، فإن الناس في حاجة إلى ما يفطمهم عن الشر ويعصمهم منه لا إلى ما يغريهم به ويوقعهم فيه.
وحذرت اللجنة من نشر هذا الحديث، الذي يفتح على الناس باب الفتنة ويغريهم بالشر وارتكاب المنكرات، فيجب القضاء على ذلك قدر المستطاع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإِيمان ” رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن من طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.