ليس هناك ألماً أكثر على النفس من تركها والتخلي عنها وهي في أحلك الظروف.. وتزداد الأمور صعوبة حين تكون ذا عزة وكرامة لاتقبل فيها كل هذا الهوان.

هذه قصة لاتزال أحداثها تجري على أرض الواقع وهي ترمز إلى قلة حيائنا ومرؤتنا تجاه من ضحوا لهذا الوطن.. كان الزوج قائدا عسكريا فذا.

قاتل من أجل الوطن في الشمال والجنوب وبرز كأحد أخطر رجال الصاعقة في الجيش العربي السعودي وتتلمذ على يديه ضباط وأفراد من قوة المظلات وهو برتبة رائد.

وشارك في حرب الكرامة وحرب الوديعة وأصيب وعاد من جديد.. كانت كل خطيئته أنه متواضع وصافي النية والقلب حتى خرج خالي الوفاض من عمله بلا أي مبررات.. وما لبث أن مات مكلوما على سنوات الكفاح من أجل الوطن ولم يجد التقدير.

مات ذلك القائد الفذ واغرورقت عيناه وهو طريح على فراش الموت ينظر إلى طفليه وزوجته كيف سيكون بهم الحال بعد موته وكأنه يرى كل فواجع الدنيا بعيونهم.. مات القائد العسكري المتمرس وفقدت أسرته بموته حتى تأمين العلاج.

اليوم تعيش زوجته المكلومة التي صبرت وكافحت من أجل طفليها ووصل بها الحال أن عملت على دلال القهوة وهي في شقة مستأجرة من محسنين وليس من الحكومة.. لم تجد تلكم الأم أي تقدير أو احترام من المسؤولين الذين تجاهلوا حتى الحسنة عليها من بيت مال المسلمين على الأقل احتراما لزوجها القائد والبطل في معركة الكرامة العربية على تلال السلط في الأردن ذودا عن العروبة.

اليوم تعيش هذه الأم وهي على مشارف السبعين أدنى مستويات الكرامة الإنسانية وهي مهددة بالطرد من شقتها الصغيرة لأن المحسن لم يعد قادرا على السداد. فأين هو دور المسؤولين وأين دور وزارة الدفاع التي كان زوجها أحد أبطالها.. أليست هي أحق بالسكن والعيش بكرامة؟

هل يصح أن يكتب التاريخ سؤتنا على الصمت عن هذه الثكلى وقد أصابها الوهن وهي لاتجد حتى قيمة رغيف العيش عدا عن دفع فاتورة الكهرباء والماء.. هذه زوجة أحد أبطال قواتنا المسلحة في ثغور الشمال.

ابنة الوطن المقتولة على بوابة الفضح والعيب والهوان لأنها ستبقى وصمة عار في جبين كل من تجاهلها لأنه اختلف مع زوجها.

لاتريد هذه الأم أكثر من أن تعيش بكرامة ولاتريد المال بل الستر في مسكن كريم على الأقل ليخرج منه جثمانها بعزة وبلا قيود.

هذه الزوجة والأم هي في عنق وزارة الدفاع والطيران ومسؤوليها ووزيرها وهي بحاجة أكثر إلى لفتة إنسانية من أمير الجيش وقائده محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.. حفيد ملك وابن ملك وحفيد أحد أشجع فرسان العرب… وكفى.