الآجرومية, مقدمة نحوية متأخرة, لصاحبها النحوي الشهير أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن داود الصنهاجي الفاسي المعروف “بأبن آجروم”. تميزت بسهولة الأسلوب ووضوح العبارة مما يجعلها أقرب إلى النحو التعليمي الذي عرف به علماء عصره ولا سيما أن أبن آجروم كان معلماً.

ولم يعرف عملاً نحوياً في العلوم اللغوية انتشاراً وذيوعاً واسعاً مثل ما عرفه مؤلف الآجرومية, حيث أنتشرت هذه المقدمة بصورة مذهلة وشاعت في كل بقاع المعمورة, وأخذت حظاً وافراً من الاهتمام والشرح والتعليق.

فقد مر زمن طويل على العالم العربي لا يبتدئ أحد فيه دراسة علم النحو إلا ويجعل المقدمة الآجرومية أول ما يدرس وفاتحة ما يتلقى من هذه الدراسة, حتى لقد صار اسمها علماً على قواعد الإعراب وعلم النحو.

ومما ساهم في سعة انتشار هذه المقدمة حتى أضحى مسمى “الآجرومية” مرادفاً لعلم النحو بطوله وعرضه بما تتميز به هذه المقدمة من خصائص جعلتها سهلة التداول, فقد امتازت عن كتب النحو الأخرى بمميزات منها: اختصارها الذي جعلها سهلة التناول بحيث تطمع كل قارئ في تحصيلها لأنها بضع ورقات. ومنها حسن ترتيبها فإنها ألمت بأبواب النحو في تسلسل منهجي واضح وسلس لا يشوش على ذهن الطالب, وهذا ما جعلها أحد أفضل المناهج التعليمية التي روعي فيها نفسية الطالب وأصول التربية الحديثة, حيث التدرج من المحسوس إلى المعقول ومن البسيط إلى المركب, ولذلك نراها كثيراً ما تستعمل حتى في المدارس العصرية اليوم.

لذا ليس بغريب أن يحظى هذا المختصر النحوي بهذه السعة في التداول والشهرة, وإذا اعتمدنا ما يقوله المستشرق جيرار تروبو المتخصص في دراسة كتاب سيبويه: “عرفنا أن الآجرومية قد ترجمت إلى اللغة اللاتينية منذ القرن السادس عشر ثلاث ترجمات, وأنها كانت النافذة الأولى التي اطلع علماء الغرب من خلالها على نظام النحو العربي لأن ترجمتها إلى معظم اللغات الغربية ما انفكت منذئذ تتوالى”.

ومن المعروف أن الآجرومية حظيت بإهتمام كثير من اللغويين في العصر الحديث ليس فقط عند العرب بل تجاوزت المحيط العربي إلى المحيط الغربي, فلا ننسى تلك الشهادة التي لا تقبل طعناً ولا تشكيكاً عندما نشرت مجلة اللسانيات الصادرة عن معهد العلوم اللسانية والصوتية في الجزائر محاورة أجراها مع نعوم تشومسكي الدكتور مازن الوعر, وتضمنت اعترافات جاءت في شكل لمحات من السيرة الذاتية تتصل بظروف تكوينه ودراسته. سأل مازن الوعر: “نعتقد نحن العرب أن الجهود التي بذلها اللغويون العرب في علم اللسان البشري في العصور المتقدمة إنما هي جهود مهمة أسهمت إلى حد كبير في بناء علم اللسان الحديث. ماهي أراؤك حول هذه القضية؟” فأجاب نعوم تشومسكي: ” قبل أن ابدأ بدراسة اللسانيات العامة كنت أشتغل ببعض البحوث المتعلقة باللسانيات السامية, وما زلت أذكر دراستي للآجرومية منذ عدة سنوات خلت, أظن أنها أكثر من ثلاثين سنة, وقد كنت أدرس هذا مع الأستاذ فرانز روزنتال الذي يدرس الآن في جامعة يال. لقد كنت وقتذاك طالبا في المرحلة الجامعية أدرس في جامعة بنسلفانيا, وكنت مهتما بالتراث النحوي العربي والعبري الذي نشأ في بعض ما كنت قد قرأته من تلك الفترة ولكنني لا أشعر أنني كفء للحديث عن البحوث اللسانية التي كان العرب قد أسهموا بها لبناء علم اللسان الحديث”.

وبعد مراوحة من القضايا اللسانية المتنوعة يسأل المحاور عن المصادر البعيدة التي استلهم منها تشومسكي تصوراته الأولى, فيجيبه: “كما ذكرت من قبل, إن دراستي المبكرة كانت متعلقة بدراسة النحو العبري في العصور الوسطى, فقد كان والدي مختصا في النحو العبري والعربي في القرون الوسطى, وقد درست هذا النحو على يديه, وباعتباري طالبا في الجامعة فقد درست النحو العربي الحديث كما درست النحو العربي في القرون الوسطى كذلك –إذا أردت بعض التفاصيل حول هذا الموضوع- فقد كتبت حول هذه القضية في مقدمة كتابي المسمى (البنية المنطقية للنظرية اللسانية) إذ حللت في هذه المقدمة كيف أن بعضا من دراستي المبكرة –في صغري- لنحو القرون الوسطى كان قد قادني إلى بعض الأفكار حول البنية التنظيمية اللغوية التي دخلت بعد ذلك في نظرية الصوتيات التوليدية ونظرية النحو التوليدي, وكانت هذه الأفكار في الواقع هي المٌثل المعتبرة التي احتذيتها في الأربعينيات”.

ولا شك لدينا بأن هذه المقدمة الهامة حظيت بإهتمام واسع النطاق وترجمت للغات عديدة كالإنجليزية واللاتينية والألمانية والفرنسية وكانت أول طبعة لها بروما سنة 1592 ثم توالت الطبعات في عواصم أوروبية أخرى, شأنها شأن أي كتاب آخر له قيمة علمية.