لا أحد يستطيع على وجه قاطع أن يحدد ما هي وظيفة «كيم كارديشان»، فهي ليست ممثلة بالمعنى التقليدي، ولا هي عارضة أزياء، أو حتى مطربة أو راقصة، فقط .. هي.. مشهورة.. وتتهافت عليها العديد من دور الأزياء وبيوت الموضة أو شركات المجوهرات والساعات الأنيقة وتلقى تحت أقدامها الملايين من الدولارات فقط لتكتب عنها ولو سطرًا واحدًا على مواقع التواصل الخاصة بها، لأنها مشهورة..

نعم، إنه عالم «السوشيال ميديا» الذي فرض نفسه فرضًا على واقعنا المعاصر  وباتت له ملامح خاصة به تختلف عن كل ما سبق من الأدوات والوسائل والطرق والنوافذ للإطلال على الجماهير والتعبير عن رأيها من خلالها وأخذ رد الفعل المباشر على هذه الآراء والأطروحات، ونجح العديد من الأشخاص في أن يتمكنوا من الاستفادة من هذا العالم الجديد، وصنعوا شهرتهم الخاصة من خلاله وباتوا نجومًا لمعوا مع بدايات اختلاف ثقافة النجومية وطريقة الوصول لها التي باتت أهون وأسهل مما سبق، فالأمر لن يحتاج سوى أن تكون متصلًا بـ«النت» ولك حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي.

مشاهير من فراغ

ورغم اعتراف الجميع أنهم مجرد مشاهير من فراغ إلا أن الظاهرة في تنامٍ مستمر والسبب بالطبع معقول حيث باتت الثقافة الجديدة مرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي، ومرشحة للاستمرار بسبب ضعف الإقبال على المصادر الأخرى في تنمية الثقافة كالقراءة التي انخفض معدلها في عالمنا العربي، فقد توصلت دراسة قامت بها لجنة تتابع شئون النشر تابعة للمجلس الأعلى للثقافة في مصر  إلى أن العالم العربي يقف في ذيل قائمة الأمم القارئة ذلك أن متوسط معدل القراءة فيه لا يتعدى ربع صفحة للفرد سنويًا، ينما تصل معدلات القراءة في أمريكا إلى 11 كتابًا للفرد سنويًا وفي بريطانيا إلى سبعة كتب، والدراسة التي قامت بها اللجنة تشير إلى نتائج مماثلة خلصت إليها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو» في عام 2015 أوضحت أن نصيب كل مليون عربي لا يتجاوز ثلاثين كتابا، مقابل 854 كتابا لكل مليون أوروبي.

بطولات وهمية

البطولة الوهمية هي ثاني الأسباب خلف اكتساح نجوم السوشيال ميديا وتناميهم فهذا الجيل بلا نجاحات تذكر، الفشل يحوطه من كل جانب إلى أن ظهرت في حياته مواقع التواصل الاجتماعي فاستطاع التخفي خلف شاشة ملونة وكيبورد وقام بصنع غزوات ومعارك وهمية جعلته يشعر بدور البطولة بعد أن مل دور الكومبارس الصامت طيلة أجيال سابقة لم يكن يسمع سوى صوت الحكام، وهو ما جعل البعض يتندر بقوله كيف تصبح نجما على مواقع التواصل «اعمل نفسك ميت أو موهوب.. أو رومانسى أو ناشط.. أو فبرك قصص غريبة وتحذيرات وهمية»، فكل ما يحتاجه «النجم» هو التصفح المتواصل للشبكات والنسخ واللصق مما يعجبه، مع إضافة بعض «التحابيش» التى تساعد على الانتشار وللأمان ومنعًا لكشفه يحرص المحترفون على النسخ من شبكة واللصق على أخرى، فما يسرقه من «تويتر» يفضل نشره على «فيسبوك» وهكذا.

ولأن القصص المأساوية تنتشر بسرعة البرق، يلجأ الكثيرون إلى اكتساب الشهرة بإشاعة مؤلمة عن وفاتهم، مثلما فعلت الممثلة المغمورة ـ التى أصبحت معروفة الآن ـ قبل عدة شهور حين ادعت أنها توفت ونشر زوجها صورا لها على “فراش الموت” والمحاليل الطبية معلقة فى ذراعها، وبالفعل سمع الكثيرون عنها للمرة الأولى “بعد وفاتها”، ولإضفاء المزيد من المأساوية على القصة ادعت أيضًا أن والدتها توفت حزنًا عليها، ليتزايد الكلام عنها على “السوشيال ميديا”، وعندما بدأ الناس يكتشفون كذب الرواية والتناقضات فيها خرجت لتعلن أنها لم تقل هذا أبدًا.

ناشط سياسي

كن «ناشط سياسى» أو «محلل استراتيجى» فهي تمنحك المساحة والثقة اللازمين لاكتساب شهرة لا بأس بها من خلال نشر آرائك السياسية، أو بمعنى أدق “أى آراء سياسية مثيرة للجدل” فهى الأكثر جذبًا للقراء والمتابعين.. حتى لو اختلف الجميع معك، حتى لو اختلفت أنت شخصيًا مع نفسك لن يكون هناك فارق ستجد عدد متابعيك يتضاعف يومًا بعد آخر وربما “يكرمك ربنا” وتصبح ضيفًا فى المحطات الفضائية أيضًا.

ولكل هذه الأسباب فلن تنتهي ظاهرة مشاهير الفراغ في القريب العاجل بل هي مرشحة للزيادة، إلا إذا انتهت أسبابها واتجه العالم العربي لاستقاء معارفه الحقيقية من القراءة وتنمية ثقافته من متون الكتب وليس عبر اتباع مشاهير يظن أنهم يملكون المعرفة إلا أنها معرفة «فالصو» لن تصمد أمام الذهب الحقيقي، ولن يختفي هؤلاء المشاهير المزيفون إلا إذا اختفى «الهياط» ومحبي الشهرة الزائفة -«أبو سن» مثال- أو ستختفي في حالة أخرى وهي أن ينقطع عنهم الإنترنت أو كما يقول أحمد مكي في مسلسله الكبير أوي «يقطع النت على النتيت على اللي بينتتوا علينا».