على أن الصيام قد أصبحت له في العالم الإسلامي اليوم مزية غير مزية الرياضة الروحية والفريضة الدينية ، لأنه أصبح موسماً اجتماعيا تتغير به مظاهر الحياة البيتية والاجتماعية في الحارة والشارع بل في المجتمع ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة في كل بلاد المسلمين وبلاد العالم أجمع. ولا نظير لهذا الموسم الاجتماعي بين أبناء الأديان الأخرى على اختلاف مذاهبها في الصيام.

والزائر الغريب لأي دولة قلما يشعر بفرق ظاهر في الحياة العامة التي يحياها أبناء الأديان الأخرى في أيام صيامهم وفي غير أيامه ، ولكنه يشعر بهذا الفرق في كل مكان حيثما نزل بأمة من الأمم الإسلامية ، لأن ليالي رمضان بسهراتها وزياراتها وأفراح أطفالها فيها موسم نادر المثال بين مواسم السنة وفصولها ، وهي الفرصة التي تتاح فيها الألفة والتسامح بين الناس أشد ما تتاح بين جموع تتكون من الملايين وعشرات الملايين ومئات الملايين الآن. هي فعلاً فرصة تسكن فيها النفوس وتتحل فيها معضلات ومشاكل ويحدث فيها مصالحات وتفاهمات كانت عسيرة وتسهيلات لم تكن وتسكن فيها نفوس لاتسكن. فموسم رمضان عجيب غريب هو موسم مئات الملايين كأسرة واحدة “موسم أسرة واحدة” تأكل في موعد واحد ، وتسهر على نمط واحد ، وتصلي وتتلو الدعاء في أوقات معلومة ، لكل فرد من أفرادها وتتزاور وتتشاور ، وتعمل ما في وسعها لبسط السلام ومنع الخصام ، وهذه الأسرة الواحدة هي أمم الإسلام الآن.

تحية لهذه الأسرة الكريمة في الموسم الكريم ورجاء لها أن تظفر بجدواه الكبرى وهي “مضاء العزيمة وتغليب الرشد على الغوية”. فهي بهذه الفضائل النفسية تمضي على سنن السيادة وتنجو من ربقة الضعف والخنوع ، وهي تؤدي بفريضتها الدينية فريضة للعالم بأسره ، لأن العقيدة الدينية قد تخص شعب من الشعوب ، ولكن الخير الذي تؤتيه تلك العقيدة يشمل بني الإنسان.

فلتتعظ أخي المسلم وتقتدي برسول الخير رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وتفعل الخير في أيامك ولياليك ، وتدعو لنا جميعاً باليمن والبركات ، في ليالي النور الساطع في العلالي ليالي القرآن. نعم نهني الأمة بتهنئة من القلب على هذه الليالي الحلوة الهنية ونهديها قصيدة بيرم التونسي الجميلة ذات اللحن الفرح السعيد مع صوت فريد الأطرش الذي لا ينسى:
هلــت ليالـــــي حلوة وهنية * ليالــــــــــي رايحة وليالي جاية
فيها التجلـــــي دايم تملــي * ونورها ساطـــــــــع من العلالي
هللـــــت ليالـــــــي هلت ليالــــي
ليالــي حلوة نشتــــاق اليها * وفيهــــا ليلــــــــــــــة الله عليها
القــــــدر فيهـــــا الله أكــــــبر * يوعدنــــــا بيهــــــــــا الله أكــبر
ويارب توبة في العمر نوبة * وتكـــون قريبــــــة تسعد أمالي
هللـــــت ليالـــــــي هلت ليالــــي
في كل لحظــة أقول ياربي * انت اللى اسمك يسر قلبي
على جمـــــــــــالك الله أكـــبر * على جــــــــــــلالك الله أكـــبر
كل التمنـي لو ترضـى عني * واعيش مهنــــــــي ولا أبالي
هلت ليالــــــــي هلت ليالـــــــــي
ساعة رضاك يا إلهي أسعد الأوقات * وانت سلطان جمـالك يتعبد بالذات
أنا أسألك يا رفيع العرش والدرجات * بجاه نبينـا محمد سيد الكونين
تنعم على المؤمنين باليمن والبركات
هلــت ليالـــــــي حلــــــوة وهنية * ليالــــــــــي رايحة وليالــــــي جاية
فيها التجلــــــــي دايــــــم تملــي * ونورها ساطـــــــــع مــــــن العلالي
هللت ليالــــــــــي هلت ليالـــــــــــي.

في البداية يشعرنا بيرم التونسي بحلول شهر رمضان ويبين لنا حلاوته على المسلمين ، فهي ليالي حلوة تأتي بالهنا حيث يترفع المسلمين إلى أسمى المعاني فتكون أيام حلوة وهنية ، ثم ما يلبث أن يذكرنا بأنها ليالي تمر وليالي تأتي في شكل متوالي في أيام شهر رمضان ، فها هي الأيام تمر وأيام أخرى تأتي والكل يتعبد فيها ويوجه نفسه نحو المولى عز وجل فقط ، وهذه الليالي منورة من العلالي فهي أيام خير وبركة وعتق وتتجلى فيها الملائكة والروح وتترنم فيها نغمات ألحان تلاوة وتجويد كتاب الله ، وهي ليالي حلوة دائماً نشتاق إليها وننتظرها وننتظر الخير فيها ، وفيها ليلة مميزة جميلة الله عليها ، انها ليلة القدر ليلة خير من الف شهر ، يا بخت من يدركها ويكتب له مشاهدتها ولا يدركها الا الموعودين المؤمنين والتائبين فيارب اوعدنا بيها ، ويارب تكتب لنا التوبة في هذا اليوم ولو مرة واحدة في العمر ، وتكون قريبة تسعد أمالي ويكون فيها السعد والاحساس بغفرانك ياربي ، وأنا في كل لحظة أدعوك ياربي ، وكل ما اقول يارب واذكرك بتهدأ النفس ويطمئن القلب والشعور بالصفاء والهناء لأنك انت ربي الغفار والتواب مهما كانت الذنوب والمعاصي ، فما أجملك ياربي يارحيم وأروعك بصفاتك ، فأنت بما أنت عليه من العظمة والجلال تسود برحمتك ، وكل ما اتمنى أن ترضى عني أمنية يتمناها الشاعر ونتمناها كلنا وهي جل غايتنا (كل التمنـي لو ترضـى عني).

فإذا نلت رضا ربي سأعيش في هناء وسرور وسعادة ولا يهمني أي شئ فمن رضي الله عنه فقد أرضاه وأنعم عليه دنيا وآخرة ، وهنا يتحول بيرم التونسي إلى شخص صوفي ويستخدم لغة التواشيح الدينية والأناشيد الصوفية ويرتجلها فريد الأطرش في شكل موال فالشاعر يصف ساعة رضا الله سبحانه وتعالى هي أسعد الأوقات التي يتمناها فهذا هو الفوز والبشرى (ساعة رضاك يا إلهي أسعد الأوقات) وتتجلى صوفيته حين يصف رب العزة بسلطان جمالك والمقصد هنا بجمالك هو صفاته عز وجل ومن أجل هذه الصفات نعبد ذاتك كما هي ذاتك (وانت سلطان جمــــالك يتعبد بالذات) ، وإنت سبحانك أدعوك وأترجاك بمكانتك العظيمة كمالك الملك وصاحب العرش والمكانة ذو الجلال والاكرام فأنت ملك الملوك (أنا أسألك يا رفيع العرش والدرجات) أدعوك بمكانة نبيك سيد الخلق أجمعين في الكون الذي نعرفه والكون الذي لا نعرفه ومقامه لديك (بجاه نبينـا محمد سيد الكونين) أدعوك أن تنعم على المؤمنين بالخير والبركات منك أنت فهو مبلغ الرضا والسعادة للمؤمنين (تنعم على المؤمنين باليمن والبركات).
ونعود بإذن الله نكمل صوم وصيام مع الفريضة المثلى إلى اللقاء.