والشباب العادي يشترك مع الشباب القدري في بعض التخيلات الخاصة بالخرافة مع نظرة غير موضوعية لأهمية العلم والتعليم ، ويسمى هذا “قصور معرفي” أو “قصور وعي” مسئول عنه فريق “س”. ومن الثمر الذي جنيناه من نظام التعليم الثمرة الأولى شباب عادي جاهل لم يتعلم ، ونصف متعلم ممن أصاب جزء من التعليم الالزامي أو تسرب منه ، والثمرة الثانية طعمها آخذ في التغير من قِلة تعليم واحتراف بالتعليم المهني والفني ، والثمرة الثالثة صنف أخذ ينحط مع كثرة وهي الفئة العاطلة فقد كثر عدد العاطلين من المتعلمين وغيرهم وزاد وفاض. والجهد الذي يلقاه المجدون منهم في تحصيل رزقهم الحلال أضعاف مضاعفة من قيمة الأجر الذي يحصلون عليه!!

ولا ريب في أن هذه الظاهرات ترجع إلى أسباب أخذت تتجمع منذ أكثر من نصف قرن من الزمان ، حتى أفضى بنا التطور إلى الحالة التي تكتنفنا اليوم. ولما كان الغرض الذي أرمي إليه من نشر هذه المقالات إنما يتجه إلى الاهتمام بالشباب ودراسة أنواعه المختلفة في الحاضر ثم اكتشاف نبع الطوفان الذي يجتاح الأمة لعمل اللازم من الدراسات والأبحاث واتخاذ الاجراءات العادلة اللازمة لصد الطوفان ودرء الأخطار التي قد يتعرض لها المجتمع بقدر ما في مستطاع العلم وبحوثه ودراساته أن يدرأ منها ، وجب أن أظهر أولاً أن أشد الأخطار التي يتعرض لها الكيان الاجتماعي في مجتماعتنا من ناحية التعليم أن الشاب المتعلم في جامعتنا يفقد مع التعليم استقلاله الذاتي ، باعتباره قوة لها حقيقية مستقلة عن القوى الأخرى التي تكتنفها. وهذا الشباب بالذات هو رجال وسيدات الغد وقد يشعر بذلك الشاب المتعلم ، وقد يشعر به الذين يُعلمون أولادهم ، حتى لقد نجد أن بعض القادرين على التفكير ينظرون نظرة تشاؤم إلى المستقبل القريب ، وإن لهم في ذلك لحقاً ، وإن لهم في تشاؤمهم لأسباباً تبرره وحقائق تعلله ، ومن أجل أن نظهر تطور الحالات التي أفضت بنا إلى هذه النتائج ينبغي لنا أن نذكر حقائق خمسا نرجع فيها إلى تاريخنا بعض الشيء:

أولا: حُكم على مجتمعاتنا منذ عصور على نظام تباين اجتماعي ظاهر ، وعلى أساس الفوارق في الحقوق العامة ؛ واستثناء يكسر القاعدة دائما ، وامتيازات مقيتة وهي في غير محلها أيضاً ولا يأخذها من يستحقها ، غير أن العقيدة والمباديء العليا تحث على التقارب في الحقوق الطبيعية والعدل وتنهي عن الاستثناء والفوارق والتباين والتمايز بدون حق أو كفاءة وتنهى عن البغي والظلم. والآن نسأل هل الكل متساوون أمام الشريعة والقانون؟ ولكل حق وحقوق واضحة؟! وعلى كل واجب وواجبات ضرورية معلومة؟!

ثانياً: بالرغم من أن نظام الفئات المتباينة في الحياة والحقوق هو النظام الذي اتبع في مجتمعاتنا منذ عصور الضعف وأن زوج من الفئات أو زوجين تفوزان بكل استثناء وامتياز ، وبالرغم من أن حالتنا الاجتماعية غيرها من خمسين سنة مضت بسب التعليم ؛ فمازالت شرائح كبيرة تحمل العبء كله وهم عامة الناس العاديين ، وتسبب ذلك في التسيب والانقطاع عن العمل بإرادة أي باحتيال وبغير إرادة أي في الابطاء في الانتاج أو تأدية الخدمة ، والبطئ في تأدية الخدمة وإنجاز العمل سبب من أسباب تدهور الأمم ، فقامت على هذه ظاهرة اجتماعية جديدة تحكمية تسمى “المكتبية السلطوية” الكل يريد المكتب ومن المكتب يتعود جسده على الكسل والخمول ويتحكم في أعمال الناس وتحركاتهم ومصالحهم بقوانين ولوائح ليعوض ما فات من تعليم أو ثقافة أو مكسب. ويقال عنها في علم السياسة والقانون “البيروقراطية”.

ونكتفي بهذا القدر من هذه الحقائق ونكمل الحديث عن باقي هذه الحقائق إن شاء الله تعالى في المقالة القادمة لكشف نبع الطوفان ببلادنا “وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ”.