ليس هناك ما يمنع من تصنيف “المساكنة” كواحدة من الحالات القائمة على أرض الواقع في المجتمعات العربية، والأردن أحداها في ظل احتفاظها بطابعها الملتبس وخصوصيتها السريّة للغاية، على الرغم من أن المساكنة بين الشاب والفتاة لم تصبح بعد ظاهرة مألوفة أو علنية.

أحمد شاب في الثلاثين من عمره يقيم في محافظة العقبة منذ حصوله على وظيفة لم يجدها بالعاصمة الأردنية عمّان التي يقطنها وأهله، ويشير أحمد إلى أن المساكنة في البدايات كانت تشكّل صراعا بالنسبة له، بين العادات والتقاليد من جهة، وإلحاح الرغبة الجنسية في ظل عدم قدرته على الزواج من جهة أخرى.

ويرى أحمد أن المساكنة مكنته من العيش مع صديقته، بالإضافة لتمكنه من “تفريغ شهواته” بحسب وصفه، موضحاً أن صديقته تشاركه في كامل المسؤوليات من إيجار المنزل وباقي المستلزمات دون أي رباط قانوني ودون عقد زواج ، يرتب التزامات قانونية في حال قرر أحدهما الانفصال عن الآخر.

وعلى الرغم من اطمئنان أحمد، إلاّ أنه يؤكد خوفه من معرفة ذويه من مساكنته لفتاة حيث يلفت إلى أن ذلك سيسبب له ولصديقته مخاطر التعرض للأذى الشديد، بالنظر إلى الطبيعة المحافظة التي تنتمي إليها عائلته.

وفي حالة أخرى تحدثت الفتاة التي طلبت من عدم الإفصاح عن اسمها الحقيقي، والتي تخفّت خلف اسم إسراء، أن الحب الذي جمعها بصديقها ذي الديانة المختلفة كانت واضحة نهايته بشكل مسبق، إذ بحسب ما هو موروث من الدين والأعراف والعادات والتقاليد، ليس في وسعهما أن يقترنا بالزواج، ما اضطرهما إلى اللجوء للمساكنة.وتعتبر إسراء أن الحب يكسر كل الحواجز، ما عدا اختلاف الدين، فجاء قرار المساكنة كحلٍ أخير ليترجما هذا الحب.

أما عن سائد الطالب العراقي الذي يدرس في إحدى الجامعات الأردنية، يقول: “زواج المساكنة انتشر بكثرة في صفوف الطلبة خصوصاً المغتربين والمغتربات منهم، حيث لا توجد عائلات ولا مرجعيات وحيث يظهر الطلبة من الجنسين للبحث عن مكان للسكن قريب من الجامعات العامة والخاصة”.

ويؤكد سائد خلال حديثه عن رفضه القاطع لزواجه من فتاة وافقت على المساكنة حتى وإن كانت شاركته إياه، وذلك لأنه لا يريد الارتباط بفتاة متحررة ولديها توجهات ليبرالية، بل يريدها ملتزمة لتحافظ على أسرته مستقبلاً، ولتستطيع تربية أبنائه تربية حسنة يفخر بها حد وصفه.

وعلى الجانب الاجتماعي يرى الدكتور سري ناصر أستاذ الاجتماع في الجامعة الأردنية أن التباهي بالغرب والتقليد الأعمى لنمط وأسلوب الحياة الغربية هو أحد الأسباب الرئيسة في نزوع هؤلاء الشباب نحو قرار المساكنة.

ويوضح أنه: “ليس في بلادنا مساكنة بالشكل الشائع في الغرب، لكن ما يحصل في المجتمعات العربية ومن ضمنها الأردن هو “شبه مساكنة”، حيث يلتقي الشاب مع صديقته بشكل سرّي ومتخفٍ لتمضية بعض الأوقات الخاصة دون الإفصاح الكامل عن تلك العلاقة، أو حتى قضاء الأيام سوياً بشكل كامل”.

ويؤكد على أن برامج الواقع التلفزيوني أسهمت بشكل كبير في تشجيع الشباب على الإقدام على هذه الخطوة، وتقبلها بكل رحابة صدر ولا سيما لدى المراهقين، فتلك النوعية من البرامج تشكّل بحد ذاتها نموذجاً مصغراً عن المساكنة.

كما ينبه ناصر من أن المساكنة قد تؤدي إلى ظاهرة “أشد خطورة” ناتجة عن “المساكنة والمصاحبة”، وهي حدوث حمل جرّاء تلك العلاقة الحميمة (غير الشرعية) يقود غالباً إلى “الإجهاض” والذي يعد إجراء محظوراً ويشكل خطراً على الحياة وقد يتسبب بوفاة الفتاة أو تعرضّها لأمراض بسبب هذه التدخلات الطبية غير الجائزة أصلاً في الدين أو القانون”.

ويلفت إلى أن الذكور والإناث باتوا ينظرون إلى الزواج على أنه مؤسسة فاشلة في الغالب، بناءً على كثرة حالات الطلاق المنتشرة في الآونة الأخيرة، ما يؤدي إلى رغبة فئة الشباب بتفريغ حاجاتهم دون التزامات مادية، أو قيود مجتمعية أو غيرها.

وأشار بأن الهدف الرئيس للمساكنة هو التعارف وامتلاكهم للحرية، وتمكن الطرفين من إنهاء العلاقة دون أي صعوبة من الصعوبات التي يمكن تواجه أصحاب قضايا الطلاق.ويبقى التساؤل قائما والإجابة مبهمة، إن كانت مفاهيم المجتمعات العربية تبدلت مع تغيّر الظروف والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية حيث أضحت عند البعض “فكاهات” اجتماعية ومناداة بالحرية والاستقلالية.