الشباب المتدين ليس كله متعصب ولكن يخرج منه المتعصب ، والتعصب لايكون للدين فقط ؛ بل التعصب يشمل مناحي الحياة حتى التعصب للعائلة والقبيلة والطائفة والحي والدولة ويتشعب ويشمل كثير من مفردات الحياة مثل التعصب لفرد حاكم مثلاً أو التعصب القومي وربما التعصب للغرب وحضارته أو حتى للفرق الرياضية … والتعصب يأتي من ضيق وقصر النظر ، ويأتي كطبيعة من طبائع الاستبداد ، ولا يكون فقط كما قدمنا لعقيدة أو جنس أو لغة أو طائفة أو عرق بل يكون لفكرة مثل الاشتراكية أو الديمقراطية وربما الحرية أو لمذهب فلسفي مثل الوجودية ، أو لنظرية عبثية مثل النظرية المادية والكتاب الأخضر وصراع الأجيال .. والمتعصب يرى دنيا الله الواسعة من ثقب صغير!!

“التعصب” أثر من أثار النظم الطاغية التي سيطرت على الأمة وأمعنت في تأجيج النزعة القومية ، وأشعلت نعرة القومية واشتعل معها نزعات المذاهب العقائدية تأكيداً واختلافاً وتشتتاً ، ودفعت المنطقة كلها إلى حدود التعصب الجنسي والطائفي حيث بذلوا مجهوداً عنيفا في الاتجاه القومي العربي والوحدة بدون تخطيط واتفاق حتى تعدد إلى قومي اشتراكي ، وقومي تقدمي ، وقومي ديمقراطي ، وقومي وحدوي … وبالتالي أظهرت هذه النزعة نزعات القومية القديمة التي ترددت أصدائها في العصر الحديث وخاصة في القرن التاسع عشر مثل القومية التركية والكردية والفارسية.

والتعصب للزعامة بعد التعصب العرقي أتي بالتعصب الشخصي حيث عادت وظهرت النعرات الشخصية والزعامة الفارغة وانحصر الاصلاح فيها ؛ وفي المقابل جاء التعصب للعقيدة ليقول أن لا اصلاح إلا بالدين ونصرة الدين ، وخرج منها التعصب السلفي والعودة إلى الوراء ونصرة طريقة وحياة السلف كما هي وكما كانت ، وخرجت كتب في كل هذا وذاك شديدة اللهجة كل يدعو إلى فكرة شديدة الإقصاء بعيداً عن الوسط. وظهرت فرق التغريبيون يمجدون حضارة وطريقة الغرب ، وكانت فرق يغذيها الكبار ويقع فيها الصغار. ودأبت فرق الزعامة في الإمعان بالاستغناء عن الـكثرة الساحقة من القوانين والعادات والتقاليد والتعاليم والمبادئ التي سبقت فترات حكم الزعيم ونجحت في الزوغان منها ، وأصبح كل ما قبل الزعامة باطل ويشوه جمال فكرة الزعيم لإخفاء مظاهر القصور وسوء التدبير فيها ، في حين كانت الأصول القديمة قد تربت عليها أجيال الآباء وكانت أعرق أفكار الأرض وأغناها هدمها الاستبداد لتأصيل فكرة الزعامة الفارغة ، وهكذا يكون النظام الطاغي.
وهذه الحركة الجاهلة المتعصبة حركة الزعيم ومؤيدي الزعامة بإتباع أعمى يقابلها حركة متموجة وذات موجات عاتية تارة وهادئة أخرى من موجات التعصب العقائدي يضطرم فيها أصحاب العقيدة بنزعة تعصب عميق للعقيدة بتعدد واختلاف مذهبي شديد ، بيد إنها مع ذلك تضطر إلى الاشتقاق من العصر الحاضر وسائلها بكثرة ظاهرة ، مما يدل على أن الغاية الحقيقية ليست تحرير العقيدة من الأغلاط والمذاهب والتوجهات الفردية الدعوية ، بل قتل العناصر المعتدلة فيها تحقيقا ًلبرنامج التعصب والتشدد في محو الوسطية والاعتدال رداً على التعصب الأعمى للأفكار المذهبية الحديثة والزعامة الفارغة.
ومَنْ وقود ذلك كله؟ “الشباب” ، ومن يتم التلاعب به؟ “الشباب” ولذلك كان لكل الزعماء منظمات تسمى باسم “الشباب”. ولماذا؟ لأنه العضو الحيوي الديناميكي “المتحرك” صاحب الطاقة والطموح والأحلام. وواجب “الكبار” الآن أن ينتبهوا إلى النمو الخلقي ومناهجه ونظرياته الحديثة ولا يتعجبون من انحطاط الأخلاق أو تطرف وتعصب وتشدد الشباب وفقط!! والنصيحة هي مراجعة أسباب ودوافع هذا الانحطاط والتطرف والتشدد؟ وأسباب ودوافع الانحراف الخلقي والانجراف إلى التعصب والتدين والتصلب؟

فالذي يحدث هو الاستغلال الناشط من أعداء الأمة “أصحاب الفتنة” لما فيها من تفاوت وقصور وسوء تدبير وظلم وقهر وتسلط وفساد وأحداث مؤسفة مؤلمة. ويعمل أصحاب الكيد للأمة والفتنة بهمة ونشاط وقوة ومال وعلم سوء يقلبون في وجوه السنة المطهرة والقرآن الكريم ليفتنوا شبابنا. وفريق “سين” يعامل بهمة ونشاط وقوة هو الآخر هؤلاء الشباب – المفتونين باسم القانون والأمن والأمان – كأعداء في ساحة حرب لقهرهم ودحرهم وسجنهم وقتلهم!! ولا يعمل على اكتشاف نبع الطوفان ، ويظنون أنهم يقيمون العدل!! والعدل بلارحمة لا شيء ينتج عنه بل يظل سيف ظالم على رقاب الشباب ، والشباب يولد كل يوم وليس بشباب اليوم وغداً .. لا بل هو أجيال متعاقبة فماذا سيفعلون مع هذه الأجيال؟ هذا خطأ فادح .. إننا لا نقول توقفوا ولا تدرؤا الخطر بل ننبه إلى غياب الوعي بالقضية والطوفان القادم لا محالة إذا لم تتغير قواعد اللعبة القديمة؟

ونكتفي بهذا القدر عن الشباب المتعصب ونكمل عنه إن شاء الله تعالى في المقالة القادمة لكشف نبع الطوفان ببلادنا “وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ”.