الاعداد السابقة للصحيفة
السبت18 مايو

الهوية الثقافية في عصر العولمة

منذ 10 سنة
0
1632

لكل شعب من الشعوب هويته الثقافية الخاصة به والتي يفتخر بها ويعمل على الحفاظ على أصالتها وتميزها، وربما في بعض الثقافات المنفتحة تعمل على غرسها في الشعوب الأخرى؛ لكي تؤكد قبول واتساع هذه الثقافة. والثقافة كما عرفها إدوارد تايلور في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي (لكل المركب والمعقد الذي يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعرف وغير ذلك التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع).

حدد إدوارد تايلور المفردات اللامادية غير المحسوسة في حياة البشرية مثل الأخلاق والأعراف وغيرها، وهذه تنشأ كما يحللها علماء الاجتماع نتيجة التفاعل الاجتماعي أو الاحتكاك الاجتماعي بين الأفراد أو الجماعات هذا التفاعل أو الاحتكاك ينتج عادات وسلوك وثقافة معينة وتصبح نمطا من أنماط حياة الشعوب تمارس بشكل دائم أو مؤقت. نظرة العالم اليوم تجاه الهوية الثقافة تغيرت عن الماضي نتيجة لأن العالم في حال متغير بشكل سريع وهائل وأصبحت الهوية الثقافية يتحكم فيها تيار العولمة بطمسها أو تكريسها أو الرقي بها كما يظن بعضهم، هل يظن بعضهم أن العولمة عندما تأكل في جسد الهوية الثقافية تقدم لنا حياة راقية؟

هذه الحياة الراقية والوصول إلى قمتها على حساب الهوية الثقافية من خلال ذلك الوهم الذي يعيشه الكثير من الناس، ترك هؤلاء بعض أنماط السلوك اليومي وأصبح كثير من الناس يرتاد بكثرة المطاعم (العولمية) والمحلات (العولمية) ولا يتابع إلا الأفلام (العولمية) حتى الأسماء لم تسلم من تيار العولمة بل هي الهدف الأساسي والمهم. وأذكر أنه نشر مقال لأحد الكُتاب تحت عنوان (موبايلي) صيغة أعجمية بعيدة عن جمال اللغة العربية ونصاعتها وتحدث عن استعمال عبارة موبايلي وهي عبارة إنجليزية اختيرت لتكون اسما لشركة اتصالات في السعودية. لماذا فرضنا على حياتنا الخاصة بنا أن نعيش في هذه الحياة بنموذج وأسلوب وثقافة وأسماء الآخرين؟ هل باتت ثقافتنا عاجزة عن ملاحقة التطور العالمي السريع؟

الجواب من وجهة نظري: لا ؛ لأن الثقافة العربية والإسلامية تعيش في أي زمان ومكان، ولأنها ثقافة بقيت صامدة كالجبل أمام الكثير من التيارات، سواء التيارات العسكرية أو الفكرية أو الثقافية التي اجتاحت العالم العربي والإسلامي في العصور الماضية. فلماذا يعيش العالم العربي والإسلامي اليوم فترة قصيرة لكي يقرر هل يكون من دعاة تيار العولمة وينخرط في هذا التيار أم يعارض هذا التيار أم يقف موقف المحايد المستفيد بقبول ما يوافق ثقافته ويتجنب ما يعارض هذه الثقافة .

إن معرفة العولمة وتحليل هذا المفهوم أمر غاية في السهولة، ولكن إذا كشف الستار عن من يقود العولمة، هل هي الشركات متعددة الجنسيات؟ أم دولة معينة؟ أم تكتل دولي يسعى لتقسيم مكاسب العولمة بين دول معينة عملت ليلاً ونهاراً من أجل تحقيق أهداف تيار العولمة سواء بالنار والحديد أو بغير ذلك؟ وهذا مفهوم العولمة للسيطرة على المجتمعات من خلال استخدام القوة العسكرية. هذا المفهوم ذو خلفية تاريخية بداية من الإسكندر حاكم اليونان وأهدافه العسكرية للسيطرة على الأرض، ومروراً بالحملات التتارية على بلاد المسلمين بقيادة هولاكو في زمن الخلافة العباسية والحروب الصليبية في زمن الدولة الأيوبية والحملات الاستعمارية التي انطلقت من أوروبا لإقامة المستعمرات بالقوة العسكرية في الكثير من الدول، ومنها الدول العربية، حتى أن بريطانيا اسمها في وقت الاستعمار الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، ونهاية عند الحروب العالمية في هذا العصر الحرب الأمريكية – الفيتنامية وتفكك الاتحاد السوفيتي وحرب فلسطين والحرب الأمريكية في العراق، هذا الإنجاز الذي يضاف إلى رصيد العولمة كما يقول بعضهم هو إنجاز بالقوة والهيمنة على ثروات الشعوب. وقد ألف (نعوم تشومسكي) كتابا اسمه (الدول المارقة استخدام القوة في الشؤون العالمية) تناول فيه بعض الدول التي طالتها السيطرة العسكرية، وهي الذراع الأول في إجبار الدول على الانقياد لهذا التيار، إذا بات فشل أذرع العولمة الأخرى.

الهوية الثقافية التي يتباين بها شعب عن شعب آخر من شعوب الأرض أصبحت تطمسها العولمة بمفرزاتها الفكرية والثقافية والأخلاقية، ومازالت تعيش الهوية الثقافية حياة الطمس باسم مزيف يندرج تحت بند (إصلاح الثقافات)؛ لأن هذه الثقافات ثقافات بائدة لا تتفق مع اتجاهات دعاة العولمة ولا تتوافق مع نظام عالمي متطور وجديد – كما يعتقدون – اسمه نظام (العولمة)، ولهذا السبب نظرة كثير من البشرية اليوم إلى العولمة أنها جوهرة براقة، وربما اندرجوا تحت مظلة العولمة وتاهوا في متاهاتها وأصبحوا لا يرون السموم التي تختزنها هذه الجوهرة (العولمة).

إذا كانت فرنسا وضعت مراقبة على البث الفضائي بحيث تسمح للقنوات التي لا تتعارض مع ثقافتها بالدخول وتمنع كل من يحاول المساس بهوية الثقافة الفرنسية، وإذا فرض الفرنسيون اللغة الفرنسية على الغير من خلال الاعتزاز والفخر بهذه اللغة وأنها لغة الحضارة وأصبحوا لا يتحدثون لا بها في كل مكان من العالم؛ لكي يفرض الفرنسيون حقهم الثقافي في الحفاظ على أصالة ثقافتهم. اتخذوا لغة الفرض والهيمنة كحق مشروع لكل الشعوب في منازلة (العولمة) والحفاظ على هويتهم الثقافية من تيار العولمة الجائر.

هذا بعض ما قامت به بعض الدول في الحفاظ على هويتها الثقافية من تيار (العولمة) فماذا اتخذ العالم العربي والإسلامي من حصانة ومناعة ثقافية لمواجهة هذا التيار، إذا كان البث الفضائي المباشر في الدول العربية والإسلامية مفتوحا على مدار 24 ساعة دون أن يكون هناك تحديد لهذا البث بما يتوافق مع هويتنا الثقافية، وإذا كانت بعض المناهج التعليمية في دولنا العربية والإسلامية إلى هذا العصر قاصرة في تطوير العقل العربي والإسلامي لكي يفهم هذا الحدث العالمي ويتعامل معه بشكل الموافق لثقافته، وإن لم يكن هناك تحرك فعلي من الدول العربية والإسلامية في تطوير مناهجها التعليمية للحفاظ على الهوية الثقافية؛ فسوف يكون الجيل القادم – إن لم يكن هذا الجيل – في خطر من مفرزات العولمة الثقافية والأخلاقية والتعليمية التي تغذي أفكارهم بما هو عكس مسيرة مجتمعهم الثقافية؛ لتحدث تصادما فكريا وثقافيا بين البشر في المجتمع الواحد، ولذلك مازال العالم العربي والإسلامي يحتاج إلى الكثير من الوقت لكي يفهم هذه الظاهرة العالمية ويتعاطى معها بالشكل الذي يجب أن يكون؛ كون أن هذه ظاهرة ليست مدرسة أيديولوجية فقط كما يقول البعض بل تيار عالمي أصبح يشكل خطراً على ثقافتنا .

التعليقات

اترك تعليقاً