الاعداد السابقة للصحيفة
الخميس25 ابريل

سرابيل الظلم موسوعة البشر

منذ 11 سنة
5
2378

لقد اصطفى الله تعالى البشر دون جميع خلقه و منهم من (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) . و ذلك لسبب عظيم قرره تعالى : (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) .

فعلى ماذا استخلفنا ؟

إن الله عز وجل أوجب الرحمة على نفسه العلية. تلك الرحمة التي شملت من عمل السيئات ثم عاد إلى الله وعمل صالحًا.
قال سبحانه: ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

و من رحمته تعالى أن أمر عباده ليتراحموا بينهم و جعلها سبيل البعد عن الضغائن و الظلم.

و الرحمة توأم العدل و سنده , و قد جمع تعالى بينهما في سورة من أعظم السور تمثلهما و هي سورة النساء.

لقد حددت سورة البقرة المنهج الذي يجب أن يتبعه الذين استخلفهم الله تعالى في الأرض ، و ركزت سورة آل عمران على الثبات على هذا المنهج , و أتت سورة النساء حتى تدلنا على أن العدل و الرحمة بالضعفاء من أهم ما يحتاجه الناس لإتباع ذلك المنهج .
فالعدل إذن و الرحمة بالضعفاء هما أساس المسؤولية و الخلافة في الأرض .

و لأن أول أبواب العدل و الرحمة تكون مع النساء كان من حكمته تعالى تسميتها بذلك الإسم.

و العدل سياق عظيم صعب على من اتبع هواه متلبسا بثوب المتسلط القادر المتمتع بالمركز و الجاه و المال ليحق عليه قوله تعالى : ( كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ) .

و قد أرشدهم و بين لهم على يد رسله توجيهاته و واجبهم الذي أنيط بهم (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) و قال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا ۚ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) .

أْمُر تَعَالَى عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ أَيْ بِالْعَدْلِ فَلا يَعْدِلُوا عَنْهُ يَمِينًا وَلا شِمَالا وَلا تَأْخُذهُمْ فِي اللَّه لَوْمَة لائِم.
وَلا يَصْرِفهُمْ عَنْهُ صَارِف وَأَنْ يَكُونُوا مُتَعَاوِنِينَ مُتَسَاعِدِينَ مُتَعَاضِدِينَ مُتَنَاصِرِينَ فِيهِ وَقَوْله ” شُهَدَاء لِلَّهِ أَيْ أَدُّوهَا اِبْتِغَاء وَجْه اللَّه فَحِينَئِذٍ تَكُون صَحِيحَة عَادِلَة حَقًّا خَالِيَة مِنْ التَّحْرِيف وَالتَّبْدِيل وَالْكِتْمَان .

وَلِهَذَا قَالَ ” وَلَوْ عَلَى أَنْفُسكُمْ ” أَيْ اِشْهَدْ الْحَقّ وَلَوْ عَادَ ضَرَرهَا عَلَيْك وَإِذَا سُئِلْت عَنْ الْأَمْر فَقُلْ الْحَقّ فِيهِ وَلَوْ عَادَتْ مَضَرَّته عَلَيْك فَإِنَّ اللَّه سَيَجْعَلُ لِمَنْ أَطَاعَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِنْ كُلّ أَمْر يَضِيق عَلَيْهِ.

وَقَوْله ” إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاَللَّه أَوْلَى بِهِمَا ” أَيْ لَا تَرْعَاهُ لِغِنَاهُ وَلَا تُشْفِق عَلَيْهِ لِفَقْرِهِ وَاَللَّه يَتَوَلَّاهُمَا بَلْ هُوَ أَوْلَى بِهِمَا مِنْك وَأَعْلَم بِمَا فِيهِ صَلَاحهمَا.

وَقَوْله ” فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا أَيْ فَلَا يَحْمِلَنكُمْ الْهَوَى وَالْعَصَبِيَّة ” وَبُغْض النَّاس إِلَيْكُمْ عَلَى تَرْك الْعَدْل فِي أُمُوركُمْ وَشُؤُونكُمْ بَلْ اِلْزَمُوا الْعَدْل عَلَى أَيّ حَال.

وَقَوْله ” وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا ” قَالَ مُجَاهِد وَغَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف تَلْوُوا أَيْ تُحَرِّفُوا الشَّهَادَة وَتُغَيِّرُوهَا وَاللَّيّ هُوَ التَّحْرِيف وَتَعَمُّد الْكَذِب . وَالْإِعْرَاض هُوَ كِتْمَان الشَّهَادَة وَتَرْكهَا.

و زاد ربنا فوق العدل و الرحمة قسم يجمعها و يفضلهما ألا و هو الإحسان (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) وَالْإِحْسَان هو أَنْ تَكُون سَرِيرَته أَحْسَن مِنْ عَلَانِيَته .

و لولا علم الله تعالى بطغيان البشر و جبروتهم لما أمرهم و وصاهم .

و مع الأسف اتخذ الإنسان الظلم منهجا و أول ظلم كان و لا يزال ظلمه لنفسه : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ).

و سعى ينشر العصبيات للنفس و للملة و للقوم و للفكرة …. الخ.

فتجد البشر يتملكهم شيء من هذا و ذاك و الغريب أن ترى العصبية مثلا في كل مجتمعات العالم تجد من يعتز بقبيلته و يعتقد أنها الأفضل و يزدري على أساس تصوره الآخرون .

فيا صاحب اللقب العالي تعالى الله الذي جعلك منهم مصداقا لقوله تعالى : (قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .

و لم يصطفي من الملوك بميزة إلا جالوت : (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ) , و القليل من أنبياءه صلوات الله عليهم كداود عليه السلام (وَ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ) .

و أما غير ذلك يقع تحت طائلة الفتنة لهم و للناس من دونهم مصداقا لقوله تعالى : ( وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ) فتنة تدور بين موسوعة الخير و الشر.

لكن هل أنتم مخولين لتخونوا الأمانة المناطة بأعناقكم ؟؟

تجد ولي الأمر يضع ثقته بأحدهم فيكون سعيه لهواه و لتحقيق أكبر كم من الكسب فتغرق المدن و يضيع الفقراء و يتعذب العلماء فيكون علمه و مهارته وبالا عليه لا لشيء غير كونه متميز , و تحاك المكائد و تضبط قانونيا كي لا يكون مناص.

و تتحين شراذم المنصرين الفرص , تؤلب الضعاف و المنكوبين كي يسخطوا و ينقموا , و تدور حول المثقفين و العلماء الأكاديميين رغبة في استقطابهم لتخسر البلاد مصابيحها المنيرة .

و الكل حائر منكوب . بين غافل و جاهل مندفع , و عارف متبصر تأبى عليه حكمته التشكي أو المغادرة.
و لكم أن تتصوروا العناء.

فوقعوا في سرابيل الظلم لينشئوا موسوعة يتعاظم مع الزمن محتواها بأصناف و اساليب لم يكن إبليس يتصور براعة البشر فيها.
فما عسى الظالمين أن ينتظروا ؟؟؟
ولات حين مناص !!!

التعليقات

ل
لا اله إلا الله محمد رسول الله ..... عدد التعليقات : 199 منذ 11 سنة

يعطيك الف عافيه اخت ميساء ع المقال الاروع من رائع …

ن
نسرين حنبف عدد التعليقات : 2 منذ 11 سنة

اختي الغالية ميساء

مقالاتك اكثر من رائعه

اسأل الله ان يوفقك ويسدد خطاك

ا
ام عبدالرحمن عدد التعليقات : 8 منذ 11 سنة

الاخت ميساء/
المتابع لمقالاتك يرى في شخصيتك النضوج في التفكير مع قوة الشخصيه بارك الله فيك ووفقك لما يحبه ويرضاه لك

ا
ام البراء الخثعميه عدد التعليقات : 14 منذ 11 سنة

جزاك الله خيرا اختي الفاضله
أسأل الله ان يكتب لك الاجر

ت
تركيه علي عدد التعليقات : 3 منذ 11 سنة

جزيت خيرا وبارك الله في قلمك

اترك تعليقاً