إن المكون الرئيس للنظام الرباني لاستخلاف الإنسان في الأرض يقوم على أساس العلاقة المشروعة بين الذكر والأنثى، وفق تنظيم الأسرة الأصيل والمحكم الأواصر والروابط؛ مما يدل عقلا قبل كونه شرعا على أن خلاف ذلك فساد وإفساد، وحصول هذا الإفساد لا يكون هكذا جزافا بدون مقدمات؛ بل هناك مقدمات عديدة أوجزها الشاعر أحمد شوقي -رحمه الله- بقوله: “نَظرَةٌ فَابتِسامَةٌ فَسَلامٌ فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ”.

والذي استوقفني لكتابة هذا المقال هو الأحداث فيما بين النظرة والموعد، من باعث للفعل ولرد الفعل؛ لاهتمامي بمسائل الربط بين علم النفس والعقيدة؛ باعتبار أن المحرك النفسي، تتحكم به قوى من مؤثرات داخلية وخارجية، ومرجعيته الضابطة هي الحاكم على مصير ذلك المحرك.

إن ظاهرة المعاكسات ليست بالأمر الجديد الغريب؛ فهي ضرب من التحرش بالقول أو الفعل، ذو مستويات متفاوتة، تصدر من الرجال لكنها ليست بمستغربة إن فعلها بعض النساء؛ وقصة امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام أكبر دليل سطره القرآن لبيان أشد أنواع التحرش وأقصاها، من سيدة لم ينقصها مال ولا جمال ولا حسب، بل ولا زوج؛ فهي مشبعة من كل وجه، لكنها قلبها خواء عن إيمان يضبطها ضمن منظومة إلهية مشرعة. فهي ظاهرة ليس لفئة عمرية عنها بمنأى.

والأصل أن الفطرة السليمة ترفض هذه الظاهرة ابتداء كفعل ظاهر، وكرد فعل ظاهر أو خفي باطن، والدوافع المسببة فيها متنوع تشمل جميع مفسدات الفطرة المعروفة؛ التربوية، والاجتماعية؛ ولعل أهمها القدوة، والخلطاء، باعتبار أن التقليد أهم الأسباب المؤدية لفساد الفطرة؛ غير أن الأهواء النفسية المخالفة للفطرة، وهي ما يطلق عليه في علم النفس-الذي وسمها بالمرضية مطلقا- بالاضطرابات النفسية، لكن التشفير الذي وضعه علم النفس لتكون التصرفات المخلة بالأخلاق موسومة بالوسم المرضي أبعد الكثير من الناس عن الإلزامية الأخلاقية، وإمكانية السيطرة الذاتية عليها وتقويمها وفق المنهج الصحيح؛ ذلك لأن الحقائق عند منظري علم النفس، لا تخضع للثبات مطلقا.

والمسألة الأشد غرابة والتي تستحق الدراسة هي ردة الفعل الباطنة المشوهة للفطرة؛ وذلك وفق أنساق معينة؛ الأول: أن تكون ردة الفعل دون مظاهر قبول، أو مع شيء من القبول الذي يعتبره صاحبه -ذكرا كان أو أنثى- بسيطا؛ فلا يتجاوز الكلمات، وربما بعض التعبيرات. والثاني: هو الشعور الداخلي بالسعادة؛ بسبب الحاجة إلى الشعور بأنه محبوب أو مرغوب فيه -خاصة أصحاب الشخصية النرجسية- وهذا الأخير يقود للأول، وقد يدفع صاحبه للحديث عنها؛ على سبيل التفاخر، أو لغيره من الأغراض.

وهذا وجه من زيادة الإيمان ونقصه، يحتاج المسلم أن يقوم نفسه فيه؛ فمجرد السرور بالفساد، إن لم يكن فسادا فهو بوابة للفساد والإفساد، ويصدق على حال صاحبه قول أحمد شوقي -رحمه الله-: ” فَفِراقٌ يَكونُ فيهِ دَواءٌ أَو فِراقٌ يَكونُ مِنهُ الداءُ”. نسأل الله العافية والسلامة.

إضاءة

روى أحمد في مسنده عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الْفُحْشَ، وَالتَّفَحُّشَ لَيْسَا مِنَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسْلَامًا، أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا”.