الحمد لله مصرف الأيام والشهور، ومجري الأعوام والدهور والصلاة والسلام نبينا محمد ماتعاقب العشيّ والبكور، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:

فالمسافر حين يقطع مسافة طويلة من الطريق، يحط رحاله ويقف ليستريح، فيتلفت وراءه ليرى كم قطع من المسافة؟ وينظر أمامه ليشاهد كم بقي له منها.

والتاجر كذلك عندما تنتهي سنته؛ يقوم بجرد بضاعته، ويحسب غلته، ليعلم ماذا ربح؟ وماذا خسر؟ ليحاول أن يتفادى الخسائر وأن يزداد من الأرباح، هذا في أرباح الدنيا وخسائرها، فما بالكم بأرباح الآخرة وخسائرها.

كذلك حال أولي الألباب يجب أن يقفوا هذه الوقفة على رأس كل عام؛ وقفة اعتبار وادكار، ماذا قدمت؟ وماذا أخرت؟ يقف متدبرًا في عامه كيف انقضى؟ ماذا كسبت فيه؟ وماذا خسرت؟ يقف مع نفسه وتعامله مع ربه؟ يقف مع نفسه وتعامله مع الآخرين؟ والديه، زوجته، أولاده، أقاربه، أصدقاءه، جيرانه.

يفتش، ينقب، يبحث عن حقوق سُلبت، ممتلكات نُهبت من الآخرين بغير حق، عن واجبات ضيعت.

هذه المحاسبة دليل الحياة والوعي والإيمان، ودليل العقل، فالكيس من دان نفسه، حاكمها وحاسبها وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.

فالليالي والأيام خزائن للأعمال ومراحل للأعمار، تبلي الجديد وتقرب البعيد، أيام تمر وأعوام تتكرر، وأجيال تتعاقب على درب الآخرة، فهذا مقبل وهذا مدبر، وهذا صحيح، وهذا سقيم، والكل إلى الله يسير.

قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: ٦٢].

ولعل من جميل التواصي مع إطلالة عام وذهاب عام أيها الأحبة، أن نجدد العهد ونبرم العقد، ولا نركن لهذه الدنيا الفانية، فما هي إلا معبر للآخرة ومزرعة لها، وأن عمر الإنسان فيها محدود وقليل، فلنقصر الأمل، ولنستحضر دوما حلول الأجل.

قال تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}،[النساء: ٧٧].

وأن ندعو لِلتَّفاؤل بتغيُّرِ الحال والرجاء في تحسُّنِ الْمآل لِمن ساءت أَحْوَالهُ وتنكَّد عيْشه، فبعد الظلام نور، وبعد التعب راحة، وبعد المرض عافية، وبعد الفقر غنى، وبعد الضيق فرج.

وليكن كل يوم جديد بالنسبة لنا فرصة للتزوّد من الخيرات، واغتنام الأوقات بطاعة الله عز وجل وهي الغايه التي من اجلها خلقنا فلن نرحل من الدنيا بمثل الحسنات والباقيات الصالحات.

‏أسأل الله أن يغفر لنا مامضى، ويقدّر لنا الخير والعفاف فيما أتى، ويلبسنا حُلل الصحة والعافية والهدى، ويجعلنا من أهل القبول و الرضا.

وَالحمدُ للهِ ربِّ العَالمين، وصلَّ اللهُ وسلَّم على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلَى آلهِ وصحبِهِ أَجمعينَ.