نحن نعيش في عصر الصورة، والصورة ليست الآن بألف كلمة كما يقول المثل الصيني، بل بملايين الكلمات، وأصبح للصورة ارتباط بمجال الوسائط والميديا، وارتباط بعالم التربية والتعليم والأخلاق والخيال والإبداع.

إن عالم الصور عالم خصب متعدد الأبعاد، متنوع المجالات، وهو عالم يشتمل على جوانب إيجابية كثيرة، وجوانب سلبية عديدة أيضاً.

وهذا ما جعل عدداً من المفكرين والباحثين يتحدثون عن التأثير البالغ للسينما والتليفزيون والانترنت، خاصة من خلال ما تعرضه من أفلام عنيفة أو خليعة، في سلوك الأطفال والمراهقين، بل الكبار أيضاً.

أما بعض المفكرين الآخرين فقد اهتم ببعض التأثيرات السلبية لعصر الصورة في أنشطة القراءة أو في التفاعل الإنساني الحميم بين البشر أو في بعض عمليات التفكير والإبداع.

وهكذا، فإن لعصر الصورة هذا، الذي سماه المفكر الفرنسي جي ديبور مجتمع المشهد أو مجتمع الفرجة أو العرض أو الاستعراض، الكثير من جوانبه الايجابية والسلبية.

فاليوم، نحن محاطون بالصور، ففي كل زاوية نتلفت إليها تواجهنا الصور، الصور موجودة في كل مكان في البيت، حيث نجد التليفزيون والفيديو، وفي الشارع وملاعب الكرة ووسائل المواصلات، حيث الإعلانات الثابتة والمتحركة، المضيئة وغير المضيئة. لقد أصبحنا نعيش فعلاً في حضارة الصورة كما قال ريتشارد كيرني.

ولم يعد ممكناً أن نفكر في كثير من أمور حياتنا السياسية والاقتصادية والتربوية والترفيهية من دون أن نفكر في الصور.

إنَّ هناك فرقاً جوهرياً بين صور اليوم وصور الماضي، ذلك لأن صور اليوم تسبق الواقع الذي يفترض أنها تمثله بينما كانت صور الماضي تجئ تالية للواقع ومتوقفة عليه.

لقد أصبح الواقع صورة شاحبة من الصورة. إن الصورة هي الأساس، وليس الواقع، والصورة أصبحت تسبق الواقع وتمهِّد له، الصور تحدث أولاً ثم تحدث المحاكاة لها في الواقع. لم تعد الصورة محاكاة للواقع، بل أصبح الواقع أشبه بالمحاكاة للصور، ويُلحظ هذا في سلوك الشباب الذين يحاكون سلوك لاعبي الكرة وما يرونه في الأفلام والمسلسلات، وفي محاكاة الأطفال سلوك بعض الشخصيات الخيالية في برامج الكرتون وألعاب الفيديو.

لقد أصبح عالم النفس البشرية عالماً تشغله صناعة الصورة إلى حد كبير.

أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

للتواصل : [email protected]