بدأ حاج فلسطيني يبلغ من العمر 60 عامًا، حديثه بعباراتٍ مؤثرة، وجملٍ تحمل فيضاً من مشاعر الفرح الغامرة بتمكنه أخيراً من رؤية بيت الله العتيق، وأداء مناسك الحج، في الوقت الذي ظهرت عليه مشاعر حزن عميق بفقده فلذة كبده الذي استشهد عندما رفض تصرفات جنود الاحتلال وتعنتهم وعدوانهم.

وقال الحاج الفلسطيني فتحي عبدالجابر كنعان عقب وصوله إلى مقر سكن الحجاج المستفيدين من برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة: لم أشاهد مكة والمدينة سوى عبر شاشة التلفاز، والآن أتحدث من هنا، من مكة.

وسرد الحاج ” فتحي ” ما حدث لابنه “محمد 28 عاماً ” ، الذي طالته يد قوات الاحتلال الإسرائيلية، وهو على بعد كيلومترات من الكعبة المشرفة، وتحديدًا من مقر إقامة حجاج ذوي شهداء فلسطين المشمولين ببرنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة، في ” بطحاء قريش ” ، مباشرةً عقب وصول الدفعة الثانية من الحجاج الفلسطينيين البالغ عددهم ألف حاج.

وقال الحاج ” فتحي “: أكرمني الله هذا الشهر بفضيلتين، باستشهاد ابني ” محمد ” ، وبدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لتأدية مناسك الحج لأول مرة في حياتي، وبرفقة زوجتي، بعد أن ودعنا أولادنا بمشاعر مختلطة لا يمكن وصفها.

وعن قصة استشهاد ابنه، قال: نسكن الضفة الغربية، وتحديدًا في قرية ” حزمة ” الملاصقة للمسجد الأقصى، ما يجعل احتكاكنا بقوات الاحتلال، عادةً يومية لا يمكننا تقبلها ولا التعامل معها بصورة طبيعية، في حين يعمل ابني الشهيد ” محمد ” ذو الـ 28 عاماً بمهنة البناء، في موقعٍ غير بعيدٍ عن القرية، يتيح له العودة إلى المنزل بعد فراغه من عمله اليومي، إلا أنه وفي أحد الأيام ” يوم استشهاده ” كان مختلفاً، لمّا غادر موقع عمله مع غروب الشمس متجهاً إلى المنزل، ثم شاهد مواجهات بين شباب القرية البالغ عددهم 66 شاباً وجنود إسرائيليين، بحسب ما نقل لنا أصدقاؤه، فالشهادة لم تمهله حتى يحكي لنا تلك القصة البطولية، فنقل لنا أصحابه أنه قال ” أنا فداء للأقصى ” ، ثم بدأ بالاشتباك مع جنود الاحتلال، حتى لقي مصرعه على أيديهم في الموقع، في تاريخ 27 / 7 / 2017م.

وأضاف: لم نجزع ولم نحزن على قضاء الله وقدره لأن ابننا مات شهيدًا مدافعاً عن دينه وأرضه حاضنة المسجد الأقصى، لذا فأنا ووالدة محمد وإخوانه وأخواته نفاخر ببطولة الشهيد، والموت في سبيل الذود عن وطنه وقضيت، واعتبر استشهاد ابنه كان خيرًا له ولوالديه.

وأردف: أداء هذه الفريضة التي كانت بمثابة حلم، قد تحقق بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بدعوة خادم الحرمين الشريفين لأكون وزوجتي ضمن ضيوفه الذين حظوا باستقبال وحفاوة تؤكد أن هذه البلاد وأهلها خير من يتولى مسؤوليتها ويحمل شرف أدائها بكل تفانٍ وإتقان.

وتابع الحاج الفلسطيني: أسرة ” كنعان ” عرفت في قريتها بلقب ” أم الشهداء ” ، لنيل كثير من أبنائها شرف الشهادة منذ عام 1936، وباتت شجرة العائلة من أبناء الجد الثاني موسومة بفضيلة “الشهادة”منذ 80 عاماً.

وأوضح أنه لم يتمكن من أداء مناسك العمرة أو الحج، غير أن منظر الطائفين حول الكعبة، و ” النافذة الذهبية ” لقبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يغب عن ناظريه وهو يشاهدهم عبر شاشة التلفاز، وكل يوم يمني النفس بزيارة مكة.

وعن الظروف التي كان يعيشها قبل وبعد تلقيه خبر انضمامه لبرنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة، قال الحاج ” فتحي ” : غمرنا حزن عميق لفقد ابننا محمد، وتحديداً في اليوم الرابع عقب استشهاده، أبلغني الجيران والأصدقاء بفتح التسجيل لأسر الشهداء بمكتب في القدس، فتوجهت إلى هناك مباشرةً، وسجلت اسمي وزوجتي وقدمنا ما يثبت، وعدت أدراجي لمنزلي، وتحديداً إلى غرفة ابني، أحمل بين أضلعي ألماً وحزناً وانكساراً لهذا الفراق، ولساني لم يتوقف عن الدعاء له وأن يعوضنا عن فقده خيراً، وأن يتقبله الكريم الجواد بين الصديقين والشهداء.

وأضاف: ما هي إلا أيام قليلة بعد ذلك الموقف، حتى زفّ لنا مكتب القدس الخبر العظيم بشمولنا الخير، ودعوتنا ضمن المدعوين لبرنامج ضيوف الملك سلمان للحج والعمرة، وها نحن الآن بين أبناء المملكة الذين جبلوا على الكرم وحب الخير، فكانت الحفاوة منهم أمراً غير مستغرب، لذا أرفع دعواتي لله رب العالمين بأن يجزيهم خير الجزاء، وأن يديم على بلاد الحرمين الشريفين الأمن والأمان والاستقرار.