الحقوق والواجبات الشخصية المدنية!

انطفأت شعلة الديمقراطية في عصور الظلمات في أوربا ، وخبا نور الحرية ، واندثرت معالم المساواة ، وانشطر المجتمع الأوربي إلى ثلاث طبقات: فريق الأشراف ، وجماعة الاكليروس ، وطبقة الشعب. وكان التاريخ الغربي صفحة دامية من النضال بين الشعوب المهضومة الحقوق والطغاة المستبدين الذين يتنكرون لتلك الحقوق فينكرونها. واتصل التطاحن بين
الطبقات؛ فأما الأشراف فكانوا يحرضون على امتيازاتهم ، وأما رجال الدين فكانوا يضنون بأنفسهم أن يهبطوا إلى مستوى الشعب ، وأما الشعب الطامح الطامع في رد اعتبار الـكرامة البشرية ، ووضع حد لامتهان العقل الإنساني ؛ فلم يضن بأية تضحية يبذلها في سبيل الحرية والمساواة ، فبذل دماء المجاهدين بسخاء.

كانت الحرية السياسية منعدمة ، والحرية الشخصية كلمة جوفاء ، والحرية الدينية خيالا ًمتلاشيا ً، والمساواة عبارة ذاهبة في الهواء. وكان الملوك المستبدون يستمدون عناصر طغيانهم مما أسموه “الحق الإلهي”. وكان الأشراف يلتمسون أسباب تميزهم من اختلاف المولد ، ورجال الدين يتوسلون إلى التمتع بالامتيازات بما تأولوه من نصوص الدين ، وصبرت الشعوب وصابرت حتى عقد النصر بلوائها على تلك القوى مجتمعة.

وشاورهم في الأمر: وأمرهم شورى بينهم: وكذلك وضع الإسلام قاعدة الحكم النيابي.

وما كان على الإسلام ان يضع غير الأصول والكليات والقواعد العامة ؛ فأما الصور والأشكال التي يتحقق بها معنى الحكم النيابي فمن الطبيعي أن يترك اختيارها للقائمين بالتنفيذ.

ولا تحسبوا أن الحكم النيابي لا يوجد إلى حيث يوجد مجلس نواب ومجلس شيوخ. ففي مدن اليونان القديمة كان الشعب يحكم نفسه بنفسه مباشرة بغير واسطة نواب أو ممثلين. وكذلك الشان اليوم في بعض المقاطعات السويسرية حيث يحصل استفتاء الشعب في جميع الشؤون التي تمس حياته العامة. ولقد يوجد التمثيل النيابي وعلى الرغم من وجوده تنعدم سلطة الأمة وتصبح خيالا ً متلاشيا ً. ثم ألا ترى أنصار الحكم النيابي وخصومه على السواء في أوربا يشكون من اضطهاد الأغلبيات للأقليات وتراهم يحاولون أن يطبوا لهذا الداء بواسطة التمثيل النسي؟

الشورى إذن هي قوام الحكم النيابي وهي دعامته وروحه دون اعتبار بالصور والأشكال.

في الصدر الأول من الإسلام كان يطبق مبدأ الشورى تطبيقا دقيقا ً.

أيقن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه لم تعد للمسلمين مندوحة عن حرب الفرس ، وانه إذا دانت لهم تلك البلاد خفقت راية الإسلام في ربوع الشعوب.

لم يشأ ابن الخطاب أن يستبد بالأمر أو يستأثر بالرأي وهو من تعلم بعد نظر وصواب فكر وقوة حزم وعزم ، بل أراد أن ينزل على رأي المسلمين فيمن يصلح لتولي القيادة ؛ وأراد أن لا يضيق دائرة الاستشارة أو يقصرها على فريق دون فريق ، فاستشار العامة والخاصة معا ً، فأما العامة فأشاروا عليه أن يكون بنفسه على رأس الجيش إذ كان الناس اشد تعلقا ًبه واكثر طاعة له. وأما الخاصة فأشاروا عليه بان يسلم القيادة لغيره وان يبقى هو بالمدينة ضنا ًبحياته وحرصا ًعلى بقائه يدير دفة الشئون. ثم ارتأوا أن يكون سعد بن أبي وقاص على رأس الجيش ، فنزل عمر على إرادتهم وولاه القيادة.