ملتزمون بمباديء الديمقراطية!!

“ملتزمون بمباديء الديمقراطية” كلمة ترد على معظم لسان الحكام العرب عندما يلتقوا بأصحاب السلطة الغالبة من حضارة الغرب. وهم قبل الالتزام بمباديء الديمقراطية مسلمون واجب عليهم الالتزام بمبادي الله وشريعته مباديء الاسلام ثم لهم فيما بعدالكلام عن أية مباديء أخرى مادامت تتفق مع مبادئهم الإسلامية الأصل الجوهر.

الديمقراطية، في اصطلاح العلوم السياسية ، هي النظام الذي يحكم الشعب فيه نفسه بنفسه ، أما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارهم عنه ، وقلنا أن شيء من هذا لم يتحقق ، على إني أسارع إلى القول بان مدلول عبارة الديمقراطية قد اتسع اليوم نطاقه بحيث اصبح يشمل النظم الاجتماعية والاقتصادية فوق اشتماله على النظم السياسي. ولو شئنا أن نستغني بالأجمال عن التفصيل، لقلنا في كلمة: إن الديمقراطية هي النظام أو مجموعة النظم التي تحقق مبادئ الحرية والمساواة بين الناس بقدر ما يمكن أن يكون الإنسان حراً ، وبالقسط من المساواة الذي لا يصطدم مع النواميس الطبيعية. ورأينا الناس مشغوفين كلفين بالديمقراطية حتى لنجدهم يسرفون في استعمالها فيقولون الأدب الديمقراطي ، والفن الديمقراطي ؛ بل نراهم لا يقتصون في التبرع بها حتى يخرجوا بها عن معناها الأصلي ، فالرجل المتواضع في عرفهم رجل ديمقراطي ، وان كان للديمقراطية من ألد الخصام.

عرف أرسطو الديمقراطية بأنها نظام الحكم الذي تنتقل السلطة فيه إلى أيدي طائفة من المواطنين الأحرار المتساوين عند طبقة الأرستقراطية.

يخلص لنا من هذا التعريف إن الحرية والمساواة هما الدعامتان اللتان يقوم عليهما صرح الديمقراطية.

إن من ينعم النظر في أقوال أرسطو يجد إن حكيم اليونان كان متبرماً بالنظام الديمقراطي في عصره ، لا لأنه كان يتنكر لمبادئ الحرية ، أو يخاصم تعاليم المساواة ، أو يضيق صدراً بتوسيع دائرة اشتراك الشعب في إدارة شؤون الدولة ، بل لان النظام الديمقراطي في عهده قد ساء حتى تردت اليونان في هاوية الفساد والفوضى.

كلما اتسع أفق المعارف الإنسانية ، شعر الناس بالكرامة وأحس العقل البشري بالعزة ، فتطلعوا إلى تحقيق المثل العليا ، وطمحوا إلى توسيع قاعدة اشتراكهم في إدارة دفة الشؤون العامة ، والهيمنة والإشراف على أمور الدولة ، لذلك كان النضال حاداً عنيفاً بين الشعوب الطامحة إلى الحرية ، والطغاة المستبدين الذين يصدونهم عن سبيلها ، والتطاحن شديداً بين طبقة الأشراف التي تنعم بالامتيازات ، وطبقات الشعب التي تتطلع إلى تحقيق مبادئ المساواة. وإذن فمن الحق أن يقال: إن تاريخ الديمقراطية هو تاريخ الحضارة الإنسانية.

وما انصف كارل ماركس الحقيقة والتاريخ حين صاح بان البطون هي مصدر الانقلابات في كل أدوار التاريخ ، وان الناس حين هبوا يسفكون دماءهم ، ويزهقون أرواحهم ، فإنما كانت هبتهم للخبز لا للحرية ، وفورتهم في سبيل أغراض مادية لا لتحقيق المثل العليا والسعي وراء الـكمال الإنساني.

وما انصف من قبله بعض قادة الفكر في روما حين قالوا بان الشعب الروماني يجتزئ بالخبز والملاهي عن الحرية السياسية والاشتراك في تسيير أداة الحكم.

وإذا كان قد أتيح لفريق من الرومان أن يقولوا ساخرين متهكمين: لدى الشعب أصوات انتخابية وليس لديه خبز ؛ فقد كان ذلك من جراء فساد النظم ، وانحطاط أداة الحكم ، لا من جراء مسخ الطبيعة البشرية.

تميز تاريخ روما القديمة بسلسلة من المناضلات متصلة الحلقات بين جماعة الأشراف وطبقات الشعب لتحقيق مبادئ المساواة.

على أن تربة روما لم تكن صالحة لنمو بذور الديمقراطية ، وكلما اتسع ملك الرومانيين وبسطوا سلطانهم في الأرض طلقوا مبادئ الديمقراطية واعتنقوا روح الاستعمار ، وأقاموا بناء إمبراطوريتهم على الغلبة والقهر ، وأصبحت الأمم المغلوبة على أمرها أسلاباً تقتني وضياعاً تستغل.
أما المسلمون فقد كانوا إذا فتحوا أمة تركوا لأهلها حرية العقيدة وحرية العبادة وخلوا بينهم وبين أملاكهم ، وضمنوا لهم أمنهم وأرواحهم وسووا بينهم في المعاملة وهتفوا فيهم بذلك المبدأ القويم: لهم مالنا وعليهم ما علينا.

وكذلك كان الإسلام كلما دخل أمة حمل معه بذور الإخاء والمساواة.