قد يتبادر إلى ذهن القارئ التجارة المتعارف عليها سواء المشروعة وهي معروفة للجميع ، او ( غير المشروعة ) كتجارة السلاح او المخدرات وما في حكمها من غسيل الأموال أو تبييضها ، لكن الحديث هنا عن تجارة لا تقل خطراً على المجتمع من تجارة السلاح او المخدرات الا وهي ( تجارة الوهم ) والتي اصبحت سائدة بل تحولت الى ظاهرة في مجتمعنا ، هذا المجتمع الذي غلب على امره ، ويعيش حياته تحت ضغوط دينية استخدمها ضدهم من لا يحكمه دين ولا قانون ، واصبح الدين مجرد سرج يمتطيه للوصول لغاياته وطموحاته ، والضحيه بلا شك هو المجتمع والذي مع الأسف لا يرى نفسه إلا من زاوية دينية منقاد خلف بشر يدعون انهم مقدسين ولحومهم مسمومه وطروحاتهم غير قابله للنقاش او الجدال ، مما ولّد لدينا مجتمع ينقاد كالذي يتخبطه الشيطان خلف تجار الوهم وهم بطبيعة الحال لقوا ظالتهم يتبعونها ويمارسون طقوسهم بعيدا عن اعين الرقابة .

وعلى سبيل المثال مايعرف بدار الرقية الشرعية والأصح انها رقية ( غير شرعية ) بل شرعوها لأنفسم واكسبوها صفة الشرعية لإيهام المغفلين بشرعيتها مستغلين ضعف الأشخاص وما يعانون منه من مرض بأنهم القادرين على شفائهم وسعادتهم، ورأيت ذلك بأم عيني عندما ذهبت لأحد الرقاة المشهورين ، قابلت شخص لا يتجاوز تعليمه الابتدائية في غرفه مكركبة، اتضح لي انها الاستقبال ( الريسبشن ) وطلب مني مائة ريال لكي يتمكن ( الشيخ ) من التفل والقراءة و هذه المئة ريال هي رسوم كفتح ملف للمريض دون تسجيل للبيانات او الحصول على فاتورة، وبعدها توضع في غرفه لا يتجاوز قطرها مترين ، بها سماعات ذات صدى قوي ليحضر سيدنا الشيخ بالمايك اللاسلكي وكل مرض يستطيع علاجه حسب قوله ثم يتم التمتمه بأيات من القرأن بصوت عالي جدا محدثا صدى قوي يتأثر الشخص نفسيا من خلال تركيبته الفيسولوجيه ولمدة خمس دقائق ثم يخرج ورقه ( روشته ) بها ارقام متسلسلة من 1 الى ٣٠ ويضع صح على بعض الأرقام والذي يدعي انها علاجك لتذهب الى الصيدليه الخاصه بهم والتي هي عبارة ان صح مانقول عنه محل عطارة ويعطيك قليلا من زيت الزيتون وقليل من العسل وقليل من البابنج او البردقوش وماء وغير ذلك اشياء لا يتجاوز سعرها 50 ريال الا انك تتفاجأ بالحساب يقارب 500 ريال – فقط لأن سماحة الشيخ – قد تفل عليه سبع مرات ، فلو افترضنا جدلا ان كل مريض يدفع 500 ريال بقيمة الكشف طبعا وهو يرى في اليوم كأقل نسبة 20 مريض اي عشرة الأف ريال في اليوم وفي الشهر 300 الف ريال ، مبلغ كهذا لا يحصل عليه حتى اشهر الاستشاريين ، وقس على ذلك من يدعون علاج العقم وعلاج الديسك وعلاج عرق النساء وعلاج آلام المعده وهلم جرى، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل اصبح لهم قنوات ومواقع للدعاية والاعلان وتحت مسمى ( طب شرعي ) ، اصبح هؤلاء الذي بعضم ربما لم يتجاوز تعليمه الثانوية العامة يتقاضون اضعاف ما يتقاضاه استشاري ظل حياته يتدرب و يتعلم حتى خارج وطنه !!
والسؤال الذي يتبادر الى ذهني اين الرقابة من هؤلاء ؟ لماذا لا يتم ايقافهم من قبل المسؤلين في الدولة ومنع تجارة الوهم واستغلال حاجات المجتمع واستنزافه ماديا بأسم الدين ؟!!!

مع الأسف اصبحنا اضحوكه للعالم بسبب تجار الوهم هؤلاء ( تفسير الاحلام ، الرقيه ، الكي ، العلاج بالأعشاب ، المسد ) ، حتى خلقنا مجتمع مُحبط و مكتئب تسيطر عليه اوهام العين والحسد والشعوذه والسحر والخوف والقلق والتوتر والاضطرابات وغيرها من الخزعبلات . لا فرق في نظري بين تاجر المخدرات وتاجر الوهم فكلاهما وجهان لعملة واحده مفادها الاتجار بأرواح البشر بطريقة غير مشروعة ، لكن تجار الوهم يتاجرون بأرواح الناس على مرأى ومسمع الجميع ، و دون الخوف من المسائلة أو العقاب .