الإيمان الصادق والإنسانية

فإذا ناديت متجاوزاً وقلت: أن الإسلام دين الديمقراطية التي نريد استعارتها أو استيرداها فإني استوحي التنزيل الحكيم ، وأستلهم الحديث الشريف ، وأستهدي المأثور من أقوال أعلام الإسلام ، واحكم في ضوء الأعمال الخالدة في تاريخ الإنسانية ، ليتم لي القول أن دين محمد قد كتب للحرية أجل الصفحات وأروعها ، وقرر من مبادئ الاخاء أسماها ، ومن قواعد المساواة أعلاها. فكان دين نظام حكم كامل من الوجهتين النظرية والعملية ، وكانت خير نظام أخرج للناس. وإذا اعتبرنا ميلاد الديمقراطية الغربية إعلان حقوق الإنسان في الانقلاب الفرنسي الـكبير عام 1789 ، فإن الإسلام قد سجل مبادئها قبل مولدها في أوربا بأكثر من ألف ومائتي عام. وإذ كان الفضل للمتقدم ، فالفضل للإسلام في تحرير الإنسانية من ربقة الاستبعاد ، وخلاصها من أغلال الأوهام.

وبعد ذلك: هل مازالت الديمقراطية ليست للتصدير؟ وهل المستورد لها المُصر عليها يريدها كاملة غير منقوصة؟ أم هي نظام مستعار تكتمل به نظرتنا لفلسفة الحكم وفقط؟

جاء الإسلام فوضع قواعد لفلسفة الحكم في غير جلبة ولا ضوضاء ، ودون أن يحدث هزة عنيفة في كيان الأمة العربية أوالإسلامية فيما بعد ولكنه كان بكل مقياس زلزالاً إنسانيا. على حين أن الروح الديمقراطي لم يستطع أن يتنفس في جو أوربا ، وبذور المساواة لم تنبت في البيئة الغربية ، إلا بعد قرون ثلاثة حافلة بالثورات ، وصراع دموي بين طبقة الأشراف وطبقات الشعب ، صبغ أرض أوربا بالدماء وصدروا لنا هذه الحرب في صورة دينية عنصرية صليبية ، وسترون إن الإسلام جاء بالاخاء الصحيح ، والمساواة الحق في حين أن الديمقراطية العصرية ، باعتراف أنصارها وخصومها على السواء ، لم تبرأ من شوائب النظم البالية العتيقة.

والملحوظ في بلاد الديمقراطية أن المساواة والحرية التي ينشدونها هي مساواة وطنية ولكنها ليست مساواة إنسانية ، فقصروها على أبنائهم تطبق عليهم في بلادهم ويتمتعون بحمايتها خارجها ، ولم يشركوا الشعوب الأخرى فيها معهم مثلهم. وأقنعونا أن كل ما عداهم لا يستحق ديمقراطيتهم وغير مستعد لها لأن كل ما عداهم قاصر لايزال بحاجة إلى أوصياء ، وليس هناك وصي أعظم من “حاكم مستبد” يحكم قبضته على القاصرين ويسوق لهم شعارات الوطنية والقومية والوحدة والاستقرار والأمن والأمان ويفرق فيما بينهم ، وهذا الوصي على هذه الشعوب القاصرة التي لا تصلح الديمقراطية لها بعد ولا يصلحون لها هو مفتاح مصالحهم في هذه الدول ذات الشعوب القاصرة .. ونحن لا ننسى أن لنا ديناً ونظاما ً إنسانيا وليس وطنياً مقصورا على أبناءه فقط ، ولا ننسى أن هذا من صلب الإيمان بالله “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” ، وما هو الالتزام الأفضل في الحياة الإلتزام بالله وشرع الله والدين القيم أم الالتزام بمباديء وقيم الديمقراطية؟ إذ لا ينفك الأوصياء قائلين نحن ملتزمون بمباديء الديمقراطية!!

يتحدثون وكأن الديمقراطية هي ضمان لصلاح الحكم لو صلح لها الشعب ، ويؤكدون أنها صالحة بين مواطنيهم لأنهم دفعوا ثمنها وهي كل شأنهم ولا شأن لها بالحقوق الإنسانية التي يستحقها كل إنسان في كل أمة!!

فياترى ما هي هذه المباديء وما هي هذه الحقوق الإنسانية؟