حال الدنيا حولنا الآن .. يتلخص في:

1)عصر التكنولجيا الالكترونية
2)جنون المال

نحن في عصر التقدم التكنولوجي الالكتروني وهو عصر الإذاعة والاشاعة والدعاية والنشر بالمطبعة والبريد والراديو والتلفزيون ومن خلال الفضاء والأثير وبأجهزة هواتف محمولة لا تفارق الإنسان من تليفونات مبرمجة إلى لوحات مضيئة ساحرة ، وشبكة عنكبوتية معقدة ، وآه من تفاوتها جميعا في السرعة والتعميم ، وفي الانتشار كالوباء. وأصبح في وسع المذيع ، والداعي ، والحكيم ، والواعظ أن ينشر آرائه وأفكاره وفتاواه للناس بشخصه كأنه يتكلم معهم وهو في مجلسهم ، وفي وسع كل منهم أن يتخذ له ألوف الألوف من المستمعين والمشاهدين والقراء أو التلاميذ دون أن يتمكنوا جميعاً من رؤيته إلا خلال هذه الأجهزة الالكترونية ، ولم يتمكنوا قط من مقابلته.

ولم يكن الأمر كذلك في جميع العصور فهل لنا من بحوث وعلماء تنقذنا بحوثهم العلمية من هذا الوباء وتعلمنا طرق الوقاية والعلاج والاستخدام!!

وأصدق ما يقال في التهافت على المال في هذه الأيام ، أنه جنون .. لأن الجنون هو الذي يخرج الإنسان عن طوره ، ويضُل العقل عن صوابه ، ويدفعه إلى الإجرام الذي لا يستبيحه وهو مالك لرشده ، محافظ على اتزانه ، مقدر للتبعة التي عليه ، والعاقبة التي تلقاه.

هذا هو الجنون الذي يتمثل لنا في تهافت المصابين به على المال ، غير مبالين أن يطلبوه من طريق الشر أو من طريق الرذيلة أو من طريق النذالة والسقوط. فلم نسمع في غير هذه الأيام ما يحدث ولم يكتب في غير مثل هذه الأيام عن فساد الأمر وفساد الناس بمثل ما فسد هذه الأيام.

أحييكم مهنئا بهذا العيد وأسأل الله أن يتقبل فيه ضحاياكم ، وفي كل لحظة من لحظات العمر ، وأن يجعلنا جميعا أهلاً للتضحية في يومها المبارك ، وفي جميع الأيام.

وإذا سألنا الله أن يجعلنا أهلاً للتضحية ، فإنما نسأله أن يجعلنا أهلاً لكل خلق كريم ، وكل عقيدة صالحة ، لأن التضحية هي قوام جميع الأخلاق ، وعماد جميع الأخلاق ، وألصق الفرائض المختلفة بطبيعة الأديان.

فما الكرم في الحقيقة: إنه التضحية بشيء من المال أو بشيء مما يحبه الإنسان.

وما الشجاعة في الحقيقة: إنها التضحية ببعض الحياة أو بكل الحياة.

وما الصدق في الحقيقة: إنه التضحية بمنافع الكذب في سبيل شرف الضمير وما حرية الرأي في الحقيقة: إنها التضحية بالراحة وبالوفاق مع الناس ، في سبيل المصلحة العامة أو سبيل الأمانة للعقيدة.

وليس في الأخلاق الحميدة خلق واحد يخلوا من التضحية ، وليس للفضائل العالية معنى مفهوم بغير التضحية.

وإذا سألنا الله أن يجعلنا من أهل التضحية ، فقد سألناه أن نكون من أهل الأخلاق ، ومن أهل المرؤة ، ومن أهل الاقتدار.

فمن الحسن أن تعاودنا الأيام ، في كل عام ، بيوم نذكر فيه هذه الحقيقة المتجددة “حقيقة التضحية” يوم يجمع بين التهنئة وبين التذكير ، أو يوم يسوق لنا الموعظة في مساق الفرح والبشرى ، وهو عيد الأضحى الذي تهنئون به ، ونرجو أن تهنئوا به في كل عام.
كل عام وأنتم بخير .. وكل سنة وأنتم طيبيين.