يتبوأ إصلاح ذات البين مكانة سامية ومنزلة عظيمة في الشريعة الإسلامية , وكثير من النصوص القرآنية والنبوية أظهرت خيريته وعظم منافعه , كما أنها حرصت في ذات الوقت على تبيان معالمه وحدوده الشرعية التي لا ينبغي تجاوزها أو الحيد عنها بأي حال من الأحوال تماشيا مع كونه مطلب شرعي وأساس ديني وضرورة ملحة لا تستقيم الحياة ولا تُعمر الأرض , ولا يتحقق صلاح أمه وسلامة مجتمع إلا بوجوده . فكيف لا وهو يرأب الصدع ويجبر الكسر ويبرؤ الخلل , ويسعى إلى إشاعة الحب والسلام والألفة بدلا من الشقاق والنزاع والخلاف .

ويعد الإصلاح الأسري – الذي نحن بصدد الحديث عنه – أحد أهم وسائل إصلاح ذات البين في المجتمع وأكثرها حاجة وضرورة كونه يستهدف نواة المجتمع الأولى وأهم مكون من مكوناتها ألا وهي الأسرة , فصلاح المجتمع واستقامته مرهون بصلاح الأسرة , والعكس صحيح .

وثمة أبعاد نفسية كثيرة للإصلاح الأسري جاءت نتيجة للارتباط الوثيق والمتلازم مع علم النفس , فعلم النفس له تفريعات كثيرة يأتي في مقدمتها علم النفس الأسري الذي يهدف إلى تكوين علاقات حسنة بين أفراد الأسرة بصفة عامة , والزوجين بصفة خاصة , وتحقيق مبادئ السلامة الأسرية التي ترتقي بهم لمواجهة الأزمات والعثرات , والتعامل معها بصورة منطقية تكفل الاستقرار والثبات وتؤدي في نفس الوقت إلى التقليل من حالات التفكك , والطلاق .

ويأتي الإصلاح الأسري بمنهجيته الصحيحة من أهم الحوافز النفسية التي تؤمن الاستقرار النفسي للأسرة , وتعمل على انسجامها وإعادة الأمل لها , كما أنه يعد سببا حقيقيا لهيكلة الأسرة نفسيا وجعلها أسرة صالحة تعاود الاندماج مع أطياف المجتمع من جديد . ومحاولة الانتقال بها من مفهوم الإحباط والتفكك إلى مفهوم التوافق والتكيف .

ويأتي علم النفس الإكلينيكي ( العيادي ) في مقدمة العلوم النفسية المستخدمة في الإصلاح الأسري , شريطة أن يستخدم من زاوية إصلاحية أسرية محضة تهتم بتشخيص حالة الزوجين , وتحليل ما يحدث بينهما من ضغوط واضطرابات نفسية, ومحاولة التخفيف من حدتها والتغلب عليها من خلال تقديم الحلول الناجعة لهما للوصول إلى نقطة التقاء وتوافق يعيشان من خلالها في سعادة واطمئنان خالية من الصراعات والقلاقل النفسية .

ولكي يتحقق النجاح والتميز لمثل هذه العلوم وقياس مدى تأثيرها الإيجابي على العملية الإصلاحية ينبغي أن يتوافر لدى من هو مُعنى بقيادة دفة الإصلاح ( المصلح الأسري ) خبرة كافية وإلمام تام بالمبادئ والأسس والنظريات النفسية وكيفية تطبيقها التطبيق المعرفي المقنن والمدروس ؛ والمؤدية بطبيعة الحال إلى تحقيق نتائج إيجابية ومرضية لجميع الأطراف. وعلى العكس تماما متى ما قل المخزون المعرفي النفسي للمصلح الأسري أصبح أثره على العملية الإصلاحية أثراً سلبيا يؤدي إلى الفشل وعدم الإنجاز العلمي الصحيح .

في الختام , حتى يتحقق الهدف المرجو من العملية الإصلاحية الأسرية لابد من مراعاة الجانب النفسي لكل ما يتعلق بهذه العملية من مصلح وأطراف متخاصمة , وإخضاع مبدأ الاختلاف وعدم الثبات بين شخصية وأخرى وبين نمط نفسي وآخر , وكيفية تحليلها والتعامل معها التعامل الأمثل الذي يضمن الوصول إلى رؤية شاملة تساعد على اتخاذ القرار المناسب في التوقت المناسب .