كل نتائج الاحصاء للأمية في العالم العربي تحوم حول وجود من 27 ألى 35 % أمية عامة ، وفي الإناث تصل إلى 60% في أكثر البلدان ؛ وأكثر المتفائلين ببرامج محو الأمية يقول أن الأمية لن تختفي تماما من العالم العربي إلا عام 2050 ميلادية.

وهذه تقديرات مصالح الإحصاء ، ولكن هل يفيد محو الأمية هذا في التربية القويمة والثقافة والرقي الصحيح وتنوع وزيادة الانتاج والمشاركة في الحياة العامة والعالمية؟ إننا نريد أن نلفت النظر هنا إلى ثلاثة أسباب لقضية قائمة – قبل الحديث عن أهداف الأمة من التعليم ومحو الأمية – قضية التخطيط لفك الخط و “فكاكو الخط”: أولاً ينتج عن برامج التعليم الحالية كثير من فكاكو الخط بسبب التسرب أو الافراط في نسب النجاح لنقل التلاميذ من مرحلة إلى أخرى ، ثانيا بسبب الارتداد إلى الأمية لبعض خريجي التعليم الضعيف ، وثالثاً بسبب برامج محو الأمية القصيرة الضعيفة الهزيلة المتردية والمتروكة لكل الهيئات الدولية والمحلية بدون خطة أوتخطيط أو برامج ، وإن وجدت فهي على الورق فقط. أما قياس درجة الرقي والنجاح في برامج محو الأمية والتعليم على نسبة القارئين بالقوة لا بالفعل ، فذلك عمل كل ما يدل عليه أنه خانة في سجل التعداد ، والنتيجة مزيد من إنتاج “فكاكو الخط”.

ولمن يعرفون ماهية الأمية على أنها هي “الجهل بالقراءة والكتابة” فقط نقول لهم أنتم حالمون واهمون بل هي أصعب وتحتاج إلى جهد أكبر بإضافة كلمة “الحساب” لها!! (الجهل بالقراءة والكتابة والحساب).

ولكن السؤال المهم هو ماذا يرد على العقلية العربية إذا بلغ (فكاكو الخط) فينا مائة في المائة ما دام فك الخط لا يطلق عقلا أسيراً ، ولا يجلوا بصراً حسيراً ، ولا يذكي قريحة ، ولا يفتح مُخاً مغلقاً؟!

ونحن نوافق مصالح الإحصاء العربي على نتائج احصائياتها وعلى أن هناك 65 إلى 73% من مجموع النفوس العربية قراء متعلمين ، وأن 40% من الإناث قراء أيضاً متعلمين ، وأن في هذين النسبتين ملايين من ذوي الشهادات المدرسية والدرجات الجامعية يستطيعون أن يكشفوا للعقل آفاق المعرفة ، وينهجوا للنفس طرائق الكمال ؛ ولكنك إذا وازنت بين عدد المتعلمين وعدد ما يطلع ويطبع من الكتب وما يوزع من الصحف والمجلات خامرك الشك في إحصاء هذه المصالح ، أو في تعليم المدارس والجامعات ، أوفي عقلي وعقلك أنت.

وفي العالم العربي مثلاً يُنشر في العلم كتب علمية كلها بضعة من الكتب في مجالات محدودة ويتراوح ما يطبع من كل واحد منها بين الألف والخمسة آلاف ، ثم تساق إلى القراءة بالطبل والزمر في المعارض والمؤتمرات بالعالم العربي أجمع ، ومع ذلك لا تنفد الطبعات المباركة بعد الإغراء والإهداء قبل سنتين أو خمس سنين!

وبكل لطف وأدب أليس معنى ذلك أن هذه الشعوب أمية وإن عرفوا حروف الهجاء ، وهم يسبحون في العامية الكبرى وإن تقلبوا فيها بلباس وألقاب العلماء؟