عندما يسود المنهج التقليدي في التعاطي مع القضايا الدينية الراهنة، تبرز الحاجة إلى شخصيّات متديّنة تتسم بالتجديد والانفتاح والقدرة على الموازنة بين تعاليم الدين من جانب ومقتضيات العصر من جانب آخر؛ لتتمكن من إنتاج خطاب دينيّ ينسجم مع عقليّة المجتمعات الحديثة، ويظهر سماحة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان.

إشكاليّة المنهج الفكري التقليدي أنه معطل لمبدأ تغيّر الأحكام بتغيّر الزمان، ما أوجد فجوة في طريقة فهمه أتباعه لما يستجد من أحداث معاصرة، وقد خصص الإمام ابن القيّم فصلاً أسماه: “فصلٌ في تغيّر الفتوى واختلافِها بحسب تغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والنّيّات والعوائد”، إذ يرفض بذلك فكرة جمود الفتاوى التي تتعارض مع مصالح العباد، ويؤكّد بأن مهمة الفقيه الحقيقية ليست حفظ ما قيل في السابق وإعادة ترديده وكأنه نصّ مقدّس لا يمكن تبديله أو الاستدراك عليه.

وفي الأثر يروى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – نفى رجلاً زانياً فالتحق الرجل بالروم وبدّل دينه، فقال عمر: “لا أنفي بعدها أحداً”، وهو بذلك راعى مصلحة عامّة واكتفى بجلد الزاني غير المحصن، إذ أن الزنى وإن كان من الكبائر فإنه أخف جرماً من الإشراك بالله.

والحقيقة أن الرموز الدينية المتمسكة بالمنهج القديم أخذ نفوذهم يتراجع، وضعف قبول الناس لأقوالهم لما رأوه من فتوى تتعارض مع مصالحهم، وهذه ظاهرة طبيعيّة يتجه إليها أي مجتمع عندما يتسلل إليه شعور بأن ما ينطق به ذلك الشيخ يتنافى مع مقاصد الشريعة السامية والتي لم تأتِ إلا رحمة بالناس وليست حجر عثرة أمام شؤون دنياهم.

والنماذج الدينيّة الحديثة والمشرقة لا تُعدم، فهذا الشيخ المجدد والمفكر صالح المغامسي يضرب أجمل الأمثلة للعقليّة المستنيرة المدركة لمقاصد الشرعيّة، فهو يعرض القضايا الدينيّة بأسلوب شيّق يمزج فيه بين سرد السيرة وتصوير الأحداث وبين النصوص المقدّسة من قرآن وسنة حتى يحسّ المتلقي بأنه أمام شخصيّة تحترم عقله وتعامله معاملة الإنسان المكلّف والمسؤول عن اختياراته والمحاسب عليها.

ما يميّز منهج المغامسي الفكري هو ابتعاده عن فكرة الإلزام بالقول الواحد في القضايا الخلافيّة، يعرض أقوال العلماء في المسألة ويترك للسامع إمكانيّة الترجيح فيما بينها بما يتناسب مع حالة وواقعه وظروفه، وهو على خلاف الفكر التقليدي القائم على مبدأ القول الواحد وإهمال كافّة الأقوال الأخرى على الرغم من أن من قال بها هم رموز راسخون في العلم وليس من الحكمة تسفيه أقوالهم.

أخيراً، أنموذج الشيخ المغامسي الفكري يمثل مدرسة تجديدية داخل منظومة العقلية السلفية، فهل سيستفيد السلفيون التقليديون من تلك المدرسة لتحديث خطابهم الديني؟