صليت رمضانين في حارتي بمدينة أبها في مسجد جامع ، وحمدت الله أن وفقني للسكن بجواره لما رأيته من تواكب المصلين، وامتلاء الصفوف وبخاصة في التراويح، ولقدازدحم المكان مما دفع المتأخرين للصلاة خارج المسجد في مشاهد تبعث السرور والعزة.

ومع بداية هذا الشهر الكريم ومنذ أول ليلة فيه تفاجأت وأنا أتسلم من آخر ركعة بأن الجماعة لم يتجاوزوا الثلاثة صفوف، قلت في نفسي: هذه أول ليلة وغدا سأرى المسجد يمتلئ كالعادة، وفي الليلة الثانية همس في أذني جاري في الصف: الله يهدي الإمام…إلا هل تعرف أين ذهب الإمام السابق؟

قلت: سمعت بابتعاثه لمواصلة الدراسة في الخارج، ولكن القرآن باق،قطب حاجبيه وقال: ولكن أمي الله يعطيها العافية لم ترتح للصوت، تركته وفتحت القرآن الذي أمامي، وفي الليلة التالية لم أجده ولم أجد جاري في الحارة، وأصبح المصلون صفين!!.

تعجبت أشد العجب،بل وتحسرت على الوضع، وهممت أن أبحث عن مسجد آخر ولكن لم أجد سببا مقنعا فقراءة الإمام الحالي جيدة والروحانية موجودة، وبعد عدة نقاشات تكشفت أمامي عورة الأمة في عصرناالحاضر وقبل ليلة القدر وبدون عناء ولا دعاء، نعم إن الحال التي تكشفت بكل جلاء ولا أظنها تخفى عليك عزيزي القارئ هي:

نحن أمة تركت المضمون من دينها وتمسكت بالقشور،لقد تركنا التدبر والتفكر في كتاب الله وآياته وعظاته وذهبنا نستبق خلف الصوت والصوت فقط، فكلما أطرب القارئ كثر المصطفون خلفه، وكأن الصلاة أصبحت مناسبة فرح يتفنن فيها المنشد أوالشاعر بالعزف على أوتار المقامات والمجسات لنجد الجميع يتمايل وينصت إليه لا خشوعا وإنما لذائقة طربية لا تجاوز الأذن!!

عجبا لنا لقد نسينا أن الإيمان الحقيقي يعتقده الجنان، ويتعشقه الوجدان، ويتجاوز طبلات الآذان، وحقا لا مندوحة مستقبلا لو رأينا المساجد تتعاقد مع أشهر المطربين والمطربات والملحنين والملحنات حتى تغص الردهات وتتعالى أصوات المعجبين والمعجبات، وحينها لا غرابة لو سمعنا أو رأينا سائلا يهرع عقب ركعة الوتر متوجها نحو الإمام قائلا:شيخنا المطرب لقد صليت من غير وضوء على مقام(نهاوند) فماذا أفعل؟!