“سهلٌ يُباع سهلٌ يُشترى” ، بهذين المقطعين عبرنا عن حالة الإنسان المعدم المنسي المُهمل المُهمش العاطل سواء كان متعلم واعي أو جاهل غافل .. فهل المعدم فقط “سهلٌ يُباع سهلٌ يُشترى”؟ لا ، بل هناك من أبناء الطبقات الأخرى شباب صاحب نخوة وشهامة وعقيدة يكره الظلم والتفاوت والمسافات ويتعاطف مع المعدمين والمشردين والمظلومين اسمه “الشباب الغاضب” ، يجل عقيدته ويحنو على معتنقيها في الأرض ، ويخشى الله ويحب العدل والإحسان ، ولكنه لا يدري كيف يحقق ما يحب ، ويدفع ما يكره؟ والسبل أمامه مغلقة!! وهذا الشباب الغاضب أيضاً “سهلٌ يُباع سهلٌ يُشترى” لأن أعداء الأمة ومعهم الكائدين لها يتربصون به ، ويغذون مصالحهم الإقتصادية والسياسية بإفساد عقيدته وروحه ، ثم يزينون له السبيل الوحيد للاصلاح: “الإستشهاد” !!

“الشباب الغاضب” يرى التفاوت أمامه في كل شيء ، ويمقت الظلم والفساد والقهر والعدوان والتسلط ويعرف كم يعاني فريق “جيم” لكي يسد الحاجة والضرورة ويدفع الشر ويعرف حال معيشتهم ومستواها ، ويعلم أن هذا التفاوت وأسبابه وهذه المسافات لا تُرضي الله!! وطالما تكلمنا عن الضرورة والاحتياج عند المعدم يأتي دور الغرائز والشهوات والهوى عند فريق “سين” تسهل له الطمع والجشع والتسلط ونهب الثروات. والغواية عند فريق “جيم” وخاصة بالشباب الغاضب تأتي من التوجهات الغامضة والمختلفة لأعداء الأمة أصحاب المصالح ، وهي مثل غواية الشيطان وقود الحقد والكراهية والغضب وإذا تمكنت من الشباب “الضعيف البائس” و “المغامر المعدم” و “الغاضب” الواقعين في البؤس والتشويش إنقلبوا شياطين كلهم شر!

وقد تعلمنا من علم النفس الحديث والعلوم الحديثة المرتبطة به أن النمو الخلقي والسلوك يستمد فاعليته من الشعور الأكيد بالمسئولية والتبعة طبقا للنشأة والتربية ، وأن هناك من يشعر بانحراف التبعة والمسئولية ولا حساب فيسقطها عن نفسه بسبب الجشع والطمع والهوى فيظلم ويفسد ويتسلط ولا يفكر في النسبة والتناسب والعدل والإنصاف. وهناك من يشعر بالتشوش بسبب النشأة والظروف الاجتماعية والإقتصادية المتباينة والأحداث الجارية في الواقع الأليم فيحدث عنده خلل في فهم الحرية والإرادة والاختيار ، ويحدث تعطل للنمو الخلقي الذي يستمد فاعليته من الخلل الخاص بعدالة العيش المشترك ، وتبعاً لهذا التعطل تعتل النفس ويحدث تدين وربما يكون إنفعالاً مرضيا و “لا خوف” أو يحدث تفسخ أخلاقي و “لا ضمير” فينعدم الشعور بالمسئولية والتبعة ، وفي كلتا الحالتين تنعدم روح التعاون على البر والتقوى ويتفشى الإثم والعدوان ، ويعيش المتدين والفاسد لهواه كافرين بالعيش المشترك ، والسبب لعبة “المسافات الطويلة” نراها أمامنا بدون أمل قريب في “مسافات قصيرة”.

والشباب المتدين المعتقد في العدل والإحسان ، الكاره للفحشاء والمنكر والبغي والعدوان ، لا يعاني معاناة المعدم ويعيش بيننا وفي بلاد العالم الأول ، يخاف ربه ويتطلع لمستقبل أفضل وعيش كريم للجميع ، ويريد أن يشارك في تغيير الواقع الأليم ؛ وهو شباب مسلم متدين يقوده اعتقاده النقي – وإنسانيته ونخوته وشهامتة – في الحق والعدل إلى الغضب .. هذا الشباب المشدود إلى عقيدته وقوميته منتميا إليها بدفعة طبيعية غريزية بإخلاص لدينه ووطنه وأمته ، يريد لأهله وبني قومه التنمية ومستقبل أفضل ، وبسبب مواطن القصور في حياتنا والتي لا تُعالج بحكمة ، فهو يريد علاج كل القصور بنفسه!! لذلك ذاته ليست ذات منظمة وطيدة صاحبة سلوك سويّ مكتمل ، والتدين هنا ليس معناه “الدين” بل “السلوك الديني”. وهناك “أصحاب الفتنة” أعداء الأمة يعرفون هذه الذات المتدينة القلقة ونزاعها الداخلي فيشوشون على مفاهيمه ويستغلون حالته الأخلاقية ويبيعوه أو يشتروه ويهيئوه ليكون جزء من الطوفان. إنهم يعملون على فتنة كل الشباب “المتدين الغاضب” و”المغامر” أو “المنحرف” أو “المُعدم”. لأن هذا الشباب واقع تحت تأثير متناقضات القصور والتفاوت الكبير والظلم والفساد والتسلط والعدوان ، عنده خلل في اتزان النفس ومتغير الانفعال النفسي ، وأصحاب الفتنة جاهزين للعب به. هنا يجب أن تكون الرحمة معهم مقدمة على العدل!! والعمل على إعادة تأهيلهم نفسياً ودينياً واجتماعياً ، لأن هؤلاء الشباب وهم في أحسن حالاتهم “أطفال” تعيش في أحلام وآمال المستقبل ، وفي أسوأ حالاتهم بعد الفتنة “أشرار شذاذ” خارجين على العرف والدين والقانون! لذلك الرحمة في شأنهم مقدمة على العدل ، ومن لا يَرحم لا يُرحم! وهذه وجهة لا تحتاج إلى خلاف إذ كثير من أسباب الاندفاع والتهور قائمة وكانت دوافعهم إلى ذلك السوء وهذا الشر!

وبالمقالة القادمة إن شاء الله نتحدث عن أصحاب الفتنة واستغلالهم لمن “سهلٌ يُباع سهلٌ يُشترى” ونتابع كشف “نبع الطوفان” والمسافات والتفاوت العظيم حتى نَعْرف ونُعَّرف أصل النبع؟ “وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ”.