الاعداد السابقة للصحيفة
الثلاثاء19 مارس

خواطر … إتقان وإحسان…

منذ 9 سنة
0
1294

حلم النجاح يراود الجميع إلا أنَّ القليل من لديه القدرة على تحويله إلى واقعٍ مبهرٍ ونجاح مستدام، فللنجاح ممكّناته وللإخفاق مسبّباته، هذا ما جال في خُلدي بعد أن توقفت كثيراً أمام قرار مقدِّم برنامج (خواطر) المتميّز أحمد الشقيري في أن يكون هذا الموسم (الحادي عشر) هو الموسم الأخير لسلسلة (خواطر) التي تركت بصمة واضحة مميَّزة لا تُخطئها عين لدى ملايين المشاهدين بكافة فئاتهم العُمرية. وبعد تأملي في ممكنات نجاح البرنامج وجوانب الإبداع فيه ومراحل تطوره، توصّلت لستة أسباب رئيسية يعود إليها التألق والإبهار الذي حققه البرنامج:-

أولاَ: يركز البرنامج على قضايا مجتمعية، سواءً سلوكية أو إنسانية أو بيئية أو حياتية، مما جعله على مقربة من اهتمامات المشاهد، ولهذا لم يكن غريبا أن تصل نسبة المشاهدة إلى الملايين.

ثانياً: استخدام البرنامج للتقنيات الحديثة في عرض الفكرة وتلخيصها وتقديم أهمّ جوانبها، مع الابتعاد عن الإطالة والتكرار والأسلوب السردي، بعكس ما يحدث في برامج أخرى يكتفي فيها مقدّم البرنامج بإلقاء محاضرات مطوّلة بأسلوب تقليدي على مسامعنا تجعلنا نتّخذ قراراً سريعاً بتغيير القناة بحثاً عن أُطروحات أكثر متعة وفائدة.

ثالثاً: استخدام مقدّم البرنامج للغة العصر، وهي لغة الإحصاءات والإنجازات والأرقام والنتائج وعرض التجارب المتطوّرة، مع التطرُّق لموسوعة من الحقائق والمعلومات في برنامج لا تتجاوز مدّته نصف ساعة، مما يجعل المشاهد يستشعر أنه جالس في (كافيه المعرفة)، وهذا يمنح البرنامج المصداقية والمهنية.

رابعاً: البساطة والعفوية والتلقائية وسرعة البديهة التي يتمتع بها مقدم البرنامج، وما لوقفاته مع المشاهدين وكواليس فريق العمل معه من تلميحات لطيفة، تضفي روحاً مميزة على البرنامج.

خامساً: التوازن في الطرح من حيث التجارب المتميّزة والممارسات ذات العوائد المبهرة، سواءً كانت في دولٍ عربية أو أوروبية، وكذلك النقد القائم على الرغبة في التحسين والتطوير وليس التّشهير، مما جعل المشاهد ينظر إلى البرنامج باعتباره طرحاً مختلفاً جديداً يحاول من خلاله نشر ثقافة التميُّز المستدام بإحسان .

سادساً: التطوّر المستمر للبرنامج من عام لآخر مع التطرّق لموضوعات جديدة ومستحدثة في كلِّ مرة، وتقديم نموذج القدوة الحسنة وتبنّي أُطروحات متميّزة؛ فمثلاً يقدّم البرنامج نموذجاً لترميم الآبار بعد حفرها دعوة منه لاستصلاح الآبار في الدول الإفريقية، وكذلك يقدّم نموذجاً لأسرة فقيرة تنتقل للعيش من العشوائيات إلى سكن يوفّر الحد الأدنى من سلّم الاحتياجات الأساسية للإنسان، إضافة إلى تمكينها من خلال مشروع خاص بها، وأمثلة أخرى تحوّل الفكرة من الطرح النظري إلى واقع عملي.

وبنظرة تحليلية سريعة على مراحل تطوّر البرنامج، منذ انطلاقته في عام 2005 وانتهاءً بعام 2015، نجده بدأ في العام الأول بعنوان (خواطر شاب) مسلطاً الضوء على نبض هذه الأمة وروحها (الشباب) مع عرض شواهد وممارسات من سيرة الرسول –عليه الصلاة والسلام. وانتقل في (خواطر 2) ليحمل في مضمونه رسائل مختلفة تلمس واقع الأمة، وما فيها من معضلات مؤكداً على أنه بإدراك المشكلة نكون قد قطعنا نصف الطريق إلى الحل.

وتناول في (خواطر 3) أهمية العودة إلى مفاهيم معينة مثل نبذ العصبية وضرورة توحّد الأمة الإسلامية، أما (حدد هدفك) فكان عنوان (خواطر 4)، وتخلّل البرنامج نظرة مستقبلية للتطور المتوقع من المسلمين بعرض ثلاثي الأبعاد، مثل حصول المسلمين على كأس العالم عام 2030، وفوز عالمة مسلمة بجائزة نوبل لاكتشافها علاج لمرض السرطان، وغيرها من التأملات المستقبلية الرائعة التي تبعث فينا الأمل والرغبة في العمل.

وتبني الشقيري خلال حلقات (خواطر 5) و(خواطر 6) مواضيع اجتماعية ودينية وفكرية عُرِضت بأسلوب جذّاب للشباب في محاولة للارتقاء بهم إلى مرحلة التفكُّر والإبداع والانخراط في مجتمعهم والاستفادة من تجارب الآخرين، مع مراعاة البساطة في الطرح مؤكداً على أنّ “الإحسان أعلى مرتبة أخلاقية يصل إليها البشر.” ومن اللّافت للنظر المقارنة التي أجراها الشقيري بين واقع عالمنا العربي والتقدّم الذي أحرزته اليابان في الجزء الخامس، ليعود في الجزء السادس إلى عرض تجارب مغايرة، ولكن بين المسلمين أنفسهم هذه المرة، فسلّط الضوء على المفارقة بين إنجازات المسلمين في الماضي وحالهم اليوم، كما عرض نماذج من إبداعات الدولة المسلمة العصرية مثل التقدّم والتطور في (حكومة دبي).

وجابت عدسة البرنامج في (خواطر 7) عدّة بلدان أوروبية وآسيوية وعربية، ولخّص الشقيري هذا الموسم بقوله: “إنه موسم الحلول والمشاريع العملية”. ثم انتقل في (خواطر 8) ليقدّم خيرَ برهانٍ على أنّ (الشباب فيهم إحسان). أما (فلنتفكّر) فقد كان شعار (خواطر9)، حيث أثبت البرنامج عملياً أن التّفكّر يقود إلى التقدم والرقي.

وعرض الشقيري في (خواطر10) شواهد حيّة في أهمية الاستقامة في حياتنا وكان شعار هذا الموسم (اهدنا الصراط المستقيم). ومسك الختام كان في (خواطر 11)، حيث وجّه الشقيري دعوة لسكان الأرض ليعمروا فيها، فالإعمار غاية وجودهم وعليها هم مؤتمنون، وركّز على استعراض أكثر 15 مشكلة تواجه البشرية ومقترحات عمليّة لحلّها.

أما النقطة الرائعة التي استوقفتني بإبهار وإجلال واحترام هي قرار الشقيري بأن تكون (خواطر 11) هي المحطة الأخيرة؛ فما أجمل أن تختم إحدى صفحات حياتك بإنجاز حقيقي ولمسات إبداع وتنتقل إلى صفحة أخرى مدوّناً فيها كل جديد بأسلوب شيّق لا يبعث إلا على الاحترام والتقدير من قبل كل من يراقب ويتابع، وهذا ما يغفله الكثيرون من مقدّمي البرامج بإصرارهم على الاستمرار بنفس الوتيرة وتكرار أنفسهم، فالتمّيز بنظري يكمن في أن يغادر الإنسان مسرحه وهو في قمة تألقه وطاقته الإبداعية، لينتقل إلى قمم أخرى من الإبداع والإبتكار ليبني صروحاً مختلفة ويغرس زرعاً جديداً ويضع بصمة لا تنسى. أرى أن رحلة تطور البرنامج حتى بلوغه مرحلة الذروة تعكس نضجاً حقيقياً وسعياً نحو الإبداع المستدام ومعالجة دقيقة لتحديات العصر، وعرضاً لحلول غير تقليدية وسعياً لتحقيق الغاية المنشودة وهي الإعمار بإحسان وإتقان.

ولا يسعني أخيراً إلا أن أتقدّم بخالص التحية مقرونة بالاحترام والتقدير لشخصية مجتمعية تسعى إلى الخير بأسلوبٍ راقٍ تتحدّث لغة العصر وتعبر عن قضاياه المعاصرة؛ فما أحوجنا إلى مثل هذه النماذج إعلامياً واجتماعياً وإبداعياً في حياتنا. تحية تقدير للاخ أحمد الشقيري وننتظر عودتك مبدعاً ومتألقا كما عودتنا.

بقلم المستشار الدكتور / عماد الدين حسين خبير ومدرب دولي في التميز المؤسسي محكم تجاري دولي

التعليقات

اترك تعليقاً